محمد الرميحي 

كان الجميع يتحدث عن أهمية الذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهي الانتخابات البرلمانية الثامنة عشرة في تاريخ الكويت النيابي، خصوصًا القوى السياسية التي لم تشارك في انتخابات يوليو (تموز) عام 2013، كل القوى السياسية لها غرض ترجوه في انتخابات مبكرة، إلا أن التوقيت كان مفاجأة لكثيرين، فقد تم قُبيل انعقاد الدورة البرلمانية الأخيرة في حياة البرلمان الحالي بأيام قلائل. وكان يمكن أن تبدأ الدورة ثم يُحل البرلمان! كثير ممن طرح تفسيرًا للتوقيت ذهب إلى التفسير الشخصاني أو الجزئي المبتسر، فقد قيل إن توقيت الذهاب إلى انتخابات مبكرة من أجل تفادي سلسلة من الاستجوابات يعُد لها بعض النواب تجاه بعض الوزراء، وهو أمر يستخدمه النواب عادة في الدورة الأخيرة من حياة أي مجلس نواب في الكويت، تصعيدًا من أجل تسخين المناصرين وحشد الأصوات للانتخابات المقبلة، وبيان قدرة هؤلاء و«فروسيتهم» ضد الحكومة. قد يكون ذلك تفسيرًا جزئيًا لأن البرلمان الحالي لم تكن له مواقف حادة في استجوابات سابقة، وكان يمكن أن تتحمل الحكومة أي نوع من الاستجوابات دون ضرر كبير. وقد قيل أيضًا إن التوقيت من أجل أن تكون الانتخابات المقبلة في فترة زمنية مواتية من حيث الأجواء الطبيعية، بدلاً من إكمال البرلمان فترته، وبالتالي الذهاب إلى انتخابات عامة في فترة الصيف، وهو أمر قد يكون أيضًا مردودًا عليه، لأن عددًا من الانتخابات السابقة في الماضي كانت تعقد في الصيف، بل بعضها في شهر رمضان.

حتى نعرف الأسباب علينا قراءة بيان مرسوم الحل، ففي جزء منه يقول المرسوم: «بسبب ما تشهده المنطقة من تطورات متصاعدة، وتداعياتها وآثارها على مختلف الأصعدة، وما تستوجبه مواجهتها من تدابير جادة تنسجم مع ما تحمله تلك التحديات من مخاطر»، ربما هنا يستطيع المتابع أن يقرأ بأكثر مما تقوله الكلمات على السطح. فالكويت مقبلة على استحقاقات مصيرية على رأسها التحدي الاقتصادي والأمني، أول التحديات هي انخفاض أسعار النفط، التي تؤثر مباشرة على قدرة الدولة على الوفاء باحتياجات «دولة الرفاه» التي تمثلت في العقود الخمسة الماضية، فالقضية هنا ليست فقط تخفيضًا تقليديًا للميزانية هنا أو هناك، بل في خطة عامة وخطاب اجتماعي/ اقتصادي (ترشيدي) تحمل مضامينه التوجه إلى «عقد اجتماعي جديد»، وعليه يجب أن يتحمل الجميع المسؤولية الأخلاقية والعملية لوضع خطط جديدة بما تستوجب من مشاركة أوسع مما كانت عليه حتى الآن. هذا الملف، لم تستطع السلطتان التنفيذية والتشريعية القائمتان تحقيق نجاح فيه من خلال وضع «خطاب ترشيدي» واضح المعالم، يمكن إقناع الجمهور العام به، مع وجود دراسات مستفيضة ترى أن معظم التوتر بين السلطتين في الماضي هو بسبب أعمال تقوم بها الحكومة وممكن تحويلها إلى القطاع الخاص وإدارتها بشكل أفضل، ولو تم ذلك لكان على الأقل 70 في المائة من موضوعات الصدام والتوتر بين السلطتين في الكويت غير موجودة، لم تستطع الإدارة المغادرة، رغم فترة السماح النسبي، في الثلاث سنوات الماضية أن تحرك هذا الملف، فالقصور هنا هو قصور هيكلي واجب النظر إلى إصلاحه. من جانب آخر، فإن المعارضة الكويتية (بأجنحتها المختلفة) قد انقسمت إلى عدد من الاجتهادات؛ الأولى هي المقاطعة التامة لمجلس منتخب على قاعدة «الصوت الواحد للشخص الواحد»، وكان النزاع في بدايته قانونيًا، ثم قضت المحكمة الدستورية بشرعية التوجه إلى الصوت الواحد للشخص الواحد، فقبل جزء من المعارضة الدخول في انتخابات قبل ثلاث سنوات أنتجت المجلس الذي حل الأسبوع الماضي، إلا أن المسيرة للثلاث سنوات الماضية أقنعت «جُل المعارضة» أن تشترك في الانتخابات المقبلة متى ما تمت، وأعلن عدد من التجمعات (التي كانت مقاطعة) نيتها لفعل ذلك علنًا منذ أشهر، دافعها فكرة عامة «أن الذي لا يحضر القسمة لا ينال ما يُقتسم»! وهو مثال رمزي، صار الجمهور الكويتي يلوم المعارضة في عدم فهمه، أي من لا يشارك لا يستطيع التأثير في القرار والنتائج المترتبة عليه التي تركت جملة من السلبيات تتراكم، كما أن قطاعًا لا بأس به من الكويتيين على مر سنوات المجلس شعروا بالإحباط من النتائج المتواضعة في النقاش؛ أولاً للقضايا المركزية التي تهم هذا الجمهور، وثانيًا في التنفيذ البطيء من قبل الإدارة، رغم كل ما كان يحيط بالكويت من تحديات، لذلك بدأت مجموعات منهم تضغط على رموز المعارضة أن يحضروا القسمة، إن صح التعبير!
ولكن الانتخابات المقبلة التي سوف تخاض في غضون شهرين لن تكون هينة أو بسيطة.. سوف تخاض في الغالب على خطوط تماس فئوية صارخة، وهنا خطورتها، إذ إن المجتمع الكويتي على صغره، متأثر بعمق بما يدور من صراع في الجوار، وهو صراع مع الأسف جزء منه طائفي، وذلك سوف يُسمع في النسيج الانتخابي المقبل، مع استقلال مزرٍ من بعض السياسيين، إلا إذا قرر نفر من المستنيرين أن يخوضوا الانتخابات على قاعدة «جبهة عريضة غير طائفية». هذا الأمر يحتاج إلى شجاعة، لأن الانتخابات في العالم الثالث غالبًا ما تخاض على وقع «الغرائز والعواطف» لا «العقول وتحقيق الخير العام»، ومع استبعاد احتمال ظهور تلك الجبهة العابرة للتحيز الطائفي، فإن المعركة الانتخابية المقبلة سوف تشهد احتدامًا بين أعضاء سابقين وآخرين طموحين للحلول محلهم! على قاعدة أن الزمن تغير والتحديات مختلفة، بل ومصيرية وتحتاج إلى وجوه جديدة، وسوف تلعب وسائل الاتصال الاجتماعي الجديدة دورًا لم يكن موجودًا بالكثافة المتوقعة في هذه الانتخابات.
على النطاق الاقتصادي، سوف يتحمل المجلس المقبل كثيرًا من الأعباء للاشتراك مع السلطة التنفيذية في وضع خطة اقتصادية لها معادلة صعبة، وهي عدم الإضرار بالمجموع الأكبر من الناس، في الوقت نفسه، شد الأحزمة على الهدر والتسيب والإنفاق غير الرشيد، وأول ما سوف يطرح في الغالب هو محاربة الفساد، وعلى الرغم من أن محاربة الفساد مفهوم غامض ومطاطي، فإن البعض سوف يتبنى المفهوم العام، وهو أن الفساد هو «استخدام سلطة لتحقيق منفعة»، هذا المفهوم سوف يحمل كثيرين لتحسس جيوبهم وحساباتهم البنكية، لأن أول ما يتوجبه الترشيد هو العدل بين المواطنين في تحمل الأعباء المقبلة.
إذن الدعوة إلى انتخابات مبكرة تعني أن النظام في الكويت وصلت إليه الرسالة الشعبية التي كانت تُسمع في الديوانيات والمنتديات، بأن الاستمرار في التركيبة السياسية الحالية يقود البلد إلى مكان يأنفه الكويتيون ويريدون تغييره، كما أن النظام يرغب في مشاركة أوسع من جميع الناشطين، لتحمل الأعباء المقبلة، وأن لا عزل لأحد، إلا من يريد أن يعزل نفسه ويبقى خارجًا بشكل طوعي عن المساهمة.
آخر الكلام:
آلية الديمقراطية في بيتها (الغربي) تواجه مشكلات هيكلية وتدخل في أزمة، أما في العالم الثالث فإن أزمتها مزمنة، ففي الممارسة تعمق الاختلافات الاجتماعية وتُضيع المصالح العامة!