جهاد الخازن

رشيد سليم الخوري (الشاعر القروي) قال:

كن بينهم رجل الزمان تظل «توركو» محتقرْ

حتى العبيد السوء قد سخروا بنا مع مَنْ سخر

أنقل اليوم عن شعراء النهضة، فهم لو عاشوا حتى يومنا هذا لماتوا مرتين، الثانية حزناً على الوطن. فزعت إليهم هرباً من أخبار الوطن الذبيح، وكنت كتبت عنهم قبل سنوات، وأعود اليهم اليوم وغداً جامعاً بين الحنين والألم.

«توركو» تعني تركي، فقد كان المهاجرون من بلاد الشام يُعتبَرون في الأميركتين أتراكاً أيام الدولة العثمانية، وسأعود إلى الشاعر القروي، إلا أنني أبدأ بالشاعر المصري أحمد زكي أبو شادي فقد كان من أسرة وطنية معروفة في بلاده، هاجر إلى بريطانيا وعاد منها إلى مصر، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة وتوفي فيها سنة 1955. هو قال:

إن الكنانة والعروبة ملـّتي/ دين يوحده الوفي العابد

ولموطني روحي وكل جوارحي/ ولكم حنيني والشعور الماجد

يكفي بنا النسب العتيد مجمّعاً/ فجميعنا صيد رماه الصائد

هو قال أيضاً في قصيدته «تونس الثائرة»:

مراكش ثارت عليه وفي غد/ سترى الجزائر تصفع الجبارا

أمم العروبة نخوة وأرومة/ وثقافة أتقدّس استعمارا؟

يا مصر هذا يوم برّك فاعملي/ عملاً تهز ببره الأبرارا

يا مؤلا هم العروبة همّه/ ردي ديوناً ما تزال كبارا

شعراء النهضة في المهجر، وأكثرهم من نصارى لبنان وسورية، كانوا يريدون عودة أمجاد الإسلام، ولعل الشاعر القروي كان في مقدمهم، وأختار من شعره اليوم:

تا الله هذا الجفاء وأمة/ ما أنجبت غير المعم المخول

أتريد أعظم من أبي بكر ومن/ عمر إذا انتسب الكرام ومن علي

أتجف أوراق العروبة في ربى/ لبنان وهي نضيرة في يذبل

الياس فرحات قال:

سلام على الإسلام أيام مجده/ طويل عريض يغمر الأرض والسما

شعراء المهجر أسسوا الرابطة القلمية في نيويورك سنة 1920، والعصبة الأندلسية في ساو باولو بالبرازيل سنة 1932، ولن أذكر أسماء فالمجال يضيق، إلا أنني أتوكأ على شعر كان الحنين إلى الوطن فيه قاسماً مشتركاً.

زكي قنصل، من قرية يبرود في سورية، قال:

يا عائدين إلى الحمى/ قلبي به عطش وجوع

بالله هل في الركب/ متسع لملهوف ولوع

وحزمت أمتعتي فيا قلب/ ارتقب يوم الرجوع

أمين ناصر الدين قال:

أخشى عليك الغرب يا مشرق/ وأنت في الغفلة مستغرق

رشيد مغربي، وحمص مسقط رأسه، قال:

يا حمص يا حمص الحبيبة مرحباً/ بنسيمك المتعطر الأذيال

أحجارك السوداء فتنة ناظري/ لا تِلكم الأبهاء في فرسال

أما محبوب الخوري الشرتوني فقال:

قالوا الشآم فقلت رؤية وجهها/ كنز وإثم ترابها إنعام

غير أن نجيب مشرق قال:

الشرق خوّار العزيمة وهو من/ حكامه والفقر في أصفاد

الياس فرحات أدلى بدلوه بين الدلاء وقال:

فإنني مذ غبت عن لبنانا/ ما زلت أمشي تائهاً حيرانا

عليّ أن أحالف الخُسرانا/ أو لا فأن احتمل الهوانا

والنفس لا تقبل أن تهانا