في جولة اليوم على أبرز الصحف العالمية، تتصدر العناوين قضايا مصيرية تمس حاضر المنطقة والعالم: من لبنان الذي يسعى لإعادة بناء دولته وسط أزمات خانقة، إلى الغرب الذي يواجه "مرآة خيبته" في أوكرانيا، وصولاً إلى أميركا التي تكشف عن انقسام داخلي جديد بين السود الأصليين والوافدين الجدد.

نبدأ جولتنا في عرض الصحف بمقال في صحيفة فايننشال تايمز بعنوان "إعادة ضبط لبنان تعمل — لكننا بحاجة إلى المساعدة"، بقلم نواف سلام، رئيس وزراء لبنان، الذي يطرح فيه رؤية حكومته لإخراج البلاد من أزماتها العميقة.

يستهل سلام مقاله بالتأكيد أنه عاد إلى لبنان وهو مدرك لحجم التحدي، "إذ وجد بلداً منهكاً بفعل عقود من سوء الإدارة، الطائفية، الفساد والحروب. فالعملة الوطنية فقدت أكثر من 98% من قيمتها منذ عام 2019، الاقتصاد انكمش بنسبة تقارب 45%، والمصارف جمّدت أكثر من 124 مليار دولار من الودائع. أما انفجار مرفأ بيروت عام 2020 فقد شكّل دليلاً صارخاً على فشل المؤسسات، فيما الحرب الأخيرة مع إسرائيل عمّقت المعاناة والدمار".

ويؤكد سلام أن مستقبل لبنان "لا يجب أن ينتهي بالانهيار"، بل يمكن أن يُبنى على دولة قوية وعصرية تدعم روح المبادرة والإبداع التي يتميز بها اللبنانيون. ويعرض ركيزتين أساسيتين لإعادة الضبط الوطني: السيادة والإصلاح.

في ما يتعلق بالسيادة، يشدد على أن الدولة اللبنانية وحدها يجب أن تمتلك السلاح وتتخذ قرارات الحرب والسلم. وقد طلبت الحكومة من الجيش وضع خطة شاملة لضمان احتكار الدولة للسلاح، وأُقرت خطة أولية بمهلة ثلاثة أشهر للسيطرة على السلاح جنوب الليطاني واحتوائه في باقي المناطق. كما عززت السلطات الأمن في مطار بيروت والمعابر الحدودية، وفككت مئات المستودعات غير الشرعية للأسلحة، وعطلت شبكات تهريب السلاح والمخدرات.

أما الإصلاح، فيراه ضرورياً لإعادة بناء الاقتصاد وتعزيز المؤسسات. "فقد أُقر قانون تاريخي لرفع السرية المصرفية، وآخر لإدارة الأزمات المصرفية، ويجري إعداد قانون يضمن العدالة للمودعين عبر توزيع عادل وشفاف للخسائر الناجمة عن الانهيار المالي". هذه الإصلاحات، بحسب سلام، ليست فقط واجباً أخلاقياً، بل شرطاً أساسياً للتعاون مع صندوق النقد الدولي ولتفكيك الاقتصاد النقدي الذي يغذي غسل الأموال والجريمة المنظمة. كما تقدمت الحكومة بقانون يعزز استقلال القضاء والهيئات التنظيمية لإحياء قطاعات الكهرباء والطيران والاتصالات، ووضع معايير قائمة على الكفاءة للتعيينات العامة.

على الصعيد الأمني، يوضح سلام أن لبنان يلتزم بقرارات مجلس الأمن وإعلان وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل في نوفمبر/ تشرين ثاني 2024، لكن إسرائيل تواصل انتهاك السيادة اللبنانية واحتلال مواقع في الجنوب، ما يقوّض جهود الدولة لاستعادة سلطتها. ويطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للانسحاب الكامل ودعم الجيش اللبناني باعتباره المؤسسة الأقدر على ضمان الاستقرار.

"عذراً أوكرانيا قد خذلك الغرب"

ساحة الاستقلال في كييف
Reuters

نكمل جولتنا في عرض الصحف بمقال في صحيفة التايمز البريطانية بعنوان "عذراً أوكرانيا، لقد عاملناكم بمهانة"، للكاتب إدوارد لوكاس، والذي يتناول فيه موقف بريطانيا وأوروبا الغربية من الحرب في أوكرانيا، بعد سنوات من الوعود بالدعم غير المحدود.

يستهل لوكاس مقاله برسالة اعتذار مباشرة إلى الأوكرانيين، قائلاً إن الغرب، رغم شعاراته المتكررة بأنه "يقف مع أوكرانيا"، "تراجع تحت ضغط ابتزاز بوتين النووي". ويشير إلى أن أوكرانيا "لم تُهزم بعد"، لكن الغرب هو الذي "انهزم أمام إصرار روسيا وصمودها".

ويستعرض الكاتب سلسلة من "الإخفاقات" الغربية، بدءاً من الخوف من التهديد النووي عام 2022، مروراً بعدم إرسال الأسلحة اللازمة، وصولاً إلى الفشل في مصادرة الأصول الروسية المجمدة أو وقف أسطول الظل الذي يصدّر النفط. ويؤكد أن هذه الترددات "دفعت أوكرانيا إلى هجوم صيفي كارثي عام 2023، غير مجهزة وغير مستعدة، ما أسفر عن مئات الآلاف من القتلى والمصابين والصدمة الجماعية لملايين الأوكرانيين".

ويضيف لوكاس أن الغرب، بدلاً من مواجهة روسيا، "أسقط مواقفه الاستسلامية على أوكرانيا"، مطالباً إياها بقبول التخلي عن أراضٍ وسكان، والتخلي عن حلم الانضمام إلى الناتو، والاكتفاء بسلام "عادل ودائم" لن يكون في الحقيقة "لا عادلاً ولا دائماً". ويصف ذلك بأنه خيانة مضاعفة، إذ إن الغرب لم يكن مستعداً لخوض الحرب مع روسيا عندما كانت أوكرانيا قوية وموحدة، فكيف سيكون مستعداً الآن وهي منهكة ومجروحة؟

ويقول الكاتب: "بعضنا — وخاصة الأمريكيين — يرون في روسيا ما بعد الحرب فرصة تجارية مغرية". ويضيف أن من وصفهم بالرجال "القساة" يعتقدون أنهم سيحققون أرباحاً من السلام.

ويخلص الكاتب إلى أن السبب الحقيقي وراء هذا التراجع "ليس فقط الخوف أو الأنانية، بل التعب والملل". فبعد أن كانت أوكرانيا رمزاً للحرية والأمل في عام 2023، تحولت الأنظار إلى أزمات أخرى مثل غزة والسودان. ويشبه لوكاس موقف الغرب بـ"حبيب سيئ يحاول التملص من علاقة"، مؤكداً أن الأوكرانيين تجاوزوا مشاعر الخيبة، وأصبحوا يعتبرون قادة أوروبا الغربية بأنهم خارج المشهد، فيما يركزون الآن على البقاء والاكتفاء الذاتي. أما الغرب، "فيبقى أنانياً حتى النهاية".

"هناك شريحة سوداء جديدة في أمريكا"

يظهر العلم الأمريكي على نصب تذكاري
Getty Images

نختم جولتنا في عرض الصحف بمقال في صحيفة واشنطن بوست بعنوان "هناك أمريكتان سوداوان"، للكاتب ثيودور ر. جونسون، والذي يتناول فيه الانقسام المتنامي بين الأميركيين السود الأصليين والوافدين الجدد من المهاجرين، وما يكشفه ذلك من فجوات في الدخل والتعليم والسياسة والهوية.

يستهل جونسون مقاله باستعادة مشهد من أوائل الستينيات، حين كان دبلوماسيون أفارقة يُرفضون في الفنادق والمطاعم على الطرق السريعة لمجرد لون بشرتهم، في إشارة إلى أن المهاجرين السود لطالما عوملوا مثل الأميركيين الأفارقة الموجودين هنا منذ قرون. لكنه يوضح أن الصورة اليوم تغيرت: فواحد من كل خمسة أميركيين سود هو مهاجر أو ابن مهاجر، وأن هذه التركيبة الجديدة أضافت تنوعاً إلى الحياة السوداء في أميركا، لكنها أيضاً أثارت توترات جديدة.

ويشير المقال إلى أن نصف المهاجرين السود في الولايات المتحدة من منطقة الكاريبي، "وأن أكثر من نصفهم وصل منذ عام 2000، فيما يشكل القادمون من إفريقيا الفئة الأسرع نمواً". ويذكر أن ثلث المهاجرين السود يحملون شهادات جامعية، وأن دخل أسرهم يزيد بنسبة 30 بالمئة، عن دخل الأميركيين السود الأصليين، وأنهم يملكون المنازل بنفس المعدل تقريباً. هذه المؤشرات، بحسب المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، ساهمت في تقليص فجوة الدخل بين السود والبيض.

لكن جونسون يلفت إلى أن هذه التحولات انعكست سياسياً أيضاً. فالمهاجرون السود غالباً "أكثر محافظة وأقل ارتباطاً بالأحزاب التقليدية، وينظرون إلى الهوية العرقية بشكل مختلف، ما ساهم في تضاعف دعم السود لترامب تقريباً في انتخابات "2024. كما أن المنافسة في سوق العمل زادت من تأييد بعض الأميركيين السود لسياسات الهجرة التقييدية. وفي الوقت نفسه، "تستهدف" إدارة ترامب هذه المجتمعات "بعمليات ترحيل غير متناسبة".

ويحذر الكاتب من أن "تجاهل" هذا الوجه الجديد لأميركا السوداء سيؤدي إلى نتائج سياسية "غير مقصودة"، إذ إن التعامل معها ككتلة واحدة ذات تفضيلات موحدة قد يضر بالاستراتيجيات الحزبية. ويضيف "أن الدراسات تظهر أنه كلما طال بقاء المهاجرين السود في الولايات المتحدة وتعرضهم للتمييز، زادت احتمالية تضامنهم مع الأميركيين الأفارقة". وقد أظهرت دراسة حديثة أن المهاجرين السود يتعرضون للتمييز في السكن والعمل والرعاية الصحية أكثر من المهاجرين من أصول لاتينية أو آسيوية أو بيضاء.

ويختم جونسون مقاله باستعادة قصة من الستينيات، حين اضطر صحفيون سود أميركيون إلى التنكر كسفراء من دولة وهمية لإثبات عبثية التمييز ضد الدبلوماسيين الأفارقة، مؤكداً أن المهاجرين السود عبر الأجيال ومن كل أنحاء العالم أدركوا — حتى وإن على مضض — أن حياتهم في أميركا مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسود الموجودين هنا منذ البداية.