عائشة المري

أصبح الحشد الشعبي، القوات التي تشكلت بعد فتوى السيستاني المرجعية الدينية في النجف، جزءاً من القوات المسلحة العراقية بعد إقرار مجلس النواب العراقي، السبت الماضي 26 نوفمبر، بغالبية أصوات الحاضرين، قانون هيئة الحشد الشعبي وسط مقاطعة نواب تحالف القوى العراقية السني، الذي عد إقرار البرلمان قانون الحشد الشعبي «نسفاً للشراكة الوطنية»، بحسب ما جاء في القانون الجديد. ويرتبط الحشد بالقائد العام للقوات المسلحة، ويخضع تشكيل الحشد ومنتسبيه للقوانين العسكرية النافذة من النواحي كافة. وبحسب القانون يتألف الحشد من قيادة وهيئة أركان وألوية مقاتلة، على أن يتم تنظيم التشكيل بمختلف مستوياته من أركان وألوية ومنتسبين خلال مدة ثلاثة أشهر، ولا يسمح بالعمل السياسي في صفوفه.

وقد جاء قانون الحشد بعد عامين على تأسيسه، كما أن الحقائق على الأرض، خاصة مع انطلاق معركة الموصل قبل شهر، تشير إلى بداية نهاية تنظيم «داعش» في العراق، وهي المهمة التي تأسس الحشد لأجلها منذ البداية. فما الحاجة لعملية الدمج التي جاءت بشكل متسارع على رغم الاعتراضات البرلمانية؟ فهل قانون الحشد الشعبي محاولة لمنح الحصانة وتلافي المساءلة لفصائل تحكمها ولاءات ضيقة وطائفية، كما يرى البعض، أم هو «تكريم لكل من تطوع من مختلف أبناء الشعب العراقي دفاعاً عن العراق في حفظ الدولة العراقية من هجمة الدواعش وكل من يعادي العراق ونظامه الجديد»، كما جاء في الأسباب الموجبة في نص القانون؟ وما هي تداعيات هذا القانون محلياً وإقليمياً؟

انضم العراق إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بتاريخ 17-8-2008، وتنص المادة الأولى من الاتفاقية على تعريف التعذيب بـ«أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث، أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز أياً كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية». وتنص المادة الثانية على أنه «لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أياً كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أم تهديداً بالحرب أم عدم استقرار سياسي داخلي أم أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب». أي أن قوات الحشد الشعبي وبعد إقرار القانون تخضع لجميع الالتزامات الرسمية للحكومة العراقية، فأفراد الحشد الشعبي أصبحوا ذوي صفة رسمية في الخضوع للالتزامات الدولية للحكومة العراقية، حيث لم تتحفظ على اختصاص لجنة مناهضة التعذيب المنصوص عليها في المادة 20 من الاتفاقية، والتي تنص على أنه إذا تلقت اللجنة معلومات موثوقاً بها يبدو لها أنها تتضمن دلائل لها أساس قوي تشير إلى أن تعذيباً يمارس على نحو منظم في أراضي دولة طرف، تدعو اللجنة الدولة الطرف المعنية إلى التعاون في دراسة هذه المعلومات، كما يمكن للجنة عقد تحقيق سري عن الوقائع. كما يمكن أن تتسلم اللجنة بلاغاً من قبل دولة عضو تدعي أن دولة طرفاً لا تفي بالتزاماتها وفقاً لأحكام الاتفاقية، وبالتالي يمكن لضحايا التعذيب أو لضحايا انتهاكات الحشد الشعبي اللجوء لإجراءات الانتصاف المحلية، ومن ثم اللجوء إلى لجنة مناهضة التعذيب، أو حتى اللجوء إلى المنظمات الدولية التي توثق الانتهاكات للتقاضي وفق أحكام قانون حقوق الإنسان الدولي.

على رغم التخوف من أن القانون يعتبر الحشد الشعبي قوة رديفة ومساندة للقوات العراقية فإن النصف المملوء من الكأس يقول إن تقنين الحشد الشعبي ينقله لخانة المساءلة القانونية الرسمية ويخضعه لالتزامات الدولة العراقية الرسمية، وبالتالي يخضع أفراده للمساءلة القانونية، كما جاء في اتفاقية مناهضة التعذيب وهو الأهم لحقوق الضحايا في الانتصاف والعدالة.