في العام الماضي، عرضت وكالة مكافحة المخدرات الأميركية مكافأة ضخمة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على كريستي كيناهان الأب وكل من ولديه، دانيال وكريستي جونيور، وهما الزعيمان الأيرلنديان لواحدة من أكبر عصابات المخدرات في العالم، ولها قاعدة في جزيرة كيش، وهي جيب إيراني صغير يقع على بعد 12 ميلاً من ساحل البر الرئيسي، والمعروف باسم "لؤلؤة الخليج الفارس".
جزيرة كيش هي منطقة تجارة حرة، وبينما يتعين على النساء ارتداء الحجاب والأزياء التقليدية، تتمتع جزيرة الفردوس بطابع أوروبي أكثر، حيث يتم تقديم المشروبات الكحولية في الفنادق والمطاعم وتحظى الجزيرة بشاطئ مرجاني ضخم للغطس، فيما المكان بأسره بعيد عن متناول وكالات إنفاذ القانون الدولية.
المسألة هي أن إيران تواجه أزمة متصاعدة مع تفشي إدمان المخدرات في مجتمعها، مما أثار ردود فعل مثيرة للجدل من جانب السلطات. تسلط التقارير الأخيرة الضوء على زيادة كبيرة في عمليات الإعدام، حيث تم إعدام ما لا يقل عن 19 شخصًا بتهم تتعلق بالمخدرات في غضون أسبوع واحد. وتؤكد هذه الإحصائيات المروعة مدى خطورة مشكلة المخدرات في إيران، والتي تستمر في التصاعد بالرغم من الجهود المبذولة للحد منها.
وفي مختلف المدن الإيرانية، من أورمية إلى مشهد، أصبحت عمليات الإعدام حقيقة صارخة بالنسبة إلى المدانين بجرائم المخدرات. مع ذلك، من المرجح أن عمليات الإعدام المبلغ عنها لا تمثل سوى جزء صغير من الإجمالي، مما يثير مخاوف بشأن الشفافية والمساءلة داخل النظام القضائي الإيراني. وتشتبه منظمات حقوق الإنسان في أنَّ العديد من عمليات الإعدام تتم دون توثيق، مما يلقي بظلاله على المدى الحقيقي للقضية.
وفي مواجهة الانتقادات الدولية، لجأ النظام الإيراني إلى نهج عقابي، حيث قام بإعدام المتورطين في تهريب المخدرات وتوزيعها. ومع ذلك، فإنَّ هذا النهج يفشل في معالجة الأسباب الجذرية للإدمان، والتي تتشابك بشكل عميق مع العوامل الاجتماعية والاقتصادية مثل الفقر وعدم الاستقرار السياسي. في حين أنَّ الحملة التي تشنها الحكومة على الجرائم المرتبطة بالمخدرات قد توفر حلاً قصير المدى، إلا أنها لا تفعل الكثير لمعالجة القضايا المجتمعية الأساسية التي تؤدي إلى تعاطي المخدرات.
ويسلط التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية الضوء على الارتفاع المثير للقلق في عمليات الإعدام المرتبطة بالمخدرات، ويرسم صورة قاتمة للوضع. ويؤكد العدد غير المتناسب من عمليات الإعدام في جرائم المخدرات خطورة الأزمة، حيث تُزهق مئات الأرواح كل عام باسم العدالة. ومع ذلك، يرى النقاد أن هذا النهج لا يؤدي إلا إلى إدامة دائرة العنف ويفشل في تقديم حلول مجدية لإعادة التأهيل والوقاية.
بالرغم من الانتشار المتزايد لإدمان المخدرات، لا تزال السلطات الإيرانية تلتزم الصمت بشأن الحجم الحقيقي للمشكلة. يشير الاختصاصيون الاجتماعيون والصحفيون إلى انتشار تعاطي المخدرات على نطاق واسع، حتى بين الأطفال في سن الدراسة، مما يسلط الضوء على الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات. ومع ذلك، يمتنع المسؤولون الحكوميون عن الكشف عن إحصاءات دقيقة، مما يزيد من تعقيد الجهود المبذولة لمعالجة الأزمة بشكل فعال.
ويثير الكشف الأخير عن العلاقة بين السجون والاتجار بالمخدرات تساؤلات مثيرة للقلق حول تواطؤ السلطات في إدامة المشكلة. تشير التقارير إلى أن اقتصاد السجون يعتمد بشكل كبير على تجارة المخدرات، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة بدلاً من تخفيفها. وتؤكد هذه العلاقة المزعجة بين أجهزة إنفاذ القانون وعصابات المخدرات مدى تعقيد أزمة المخدرات في إيران والتحديات التي تفرضها على التدخل الفعال.
وبينما تتصارع إيران مع العواقب المدمرة لإدمان المخدرات، هناك حاجة ملحة إلى نهج شامل يوازن بين العدالة وإعادة التأهيل. إن مجرد اللجوء إلى عمليات الإعدام والإجراءات العقابية لا يكفي لوقف موجة الإدمان التي تهدد باجتياح الأمة. وبدلاً من ذلك، هناك حاجة إلى بذل جهود متضافرة لمعالجة العوامل الاجتماعية والاقتصادية الكامنة وراء تعاطي المخدرات مع توفير الدعم والعلاج للمتضررين.
وفي مواجهة الوباء المتنامي، يتعين على إيران أن تواجه مشكلة المخدرات بالتعاطف والعزيمة، وتقديم الأمل والدعم للمحتاجين. ولن يتسنى لإيران أن تأمل في التغلب على آفة إدمان المخدرات وبناء مجتمع أكثر صحة وقدرة على الصمود إلا من خلال نهج شامل يجمع بين إنفاذ القانون والوقاية والعلاج.
خلفية أنشطة الحرس الثوري الإيراني في تجارة المخدرات وتهريبها
تعود أنشطة الحرس الثوري الإيراني في تجارة المخدرات وتهريبها إلى زمن حرب إيران والعراق. خلال الحرب التي استمرت ثماني سنوات، لجأت إيران إلى تجارة المخدرات في جميع أنحاء العالم لتلبية احتياجاتها المالية المتزايدة لشراء الأسلحة والذخائر واستمرار الحرب. استفادت إيران من حصانتها الدبلوماسية وإمكاناتها اللوجستية الواسعة على الأرض والبحر والجو لتهريب المخدرات.
ازدادت الحاجة إلى تجارة المخدرات بعد حرب إيران مع العراق، حيث اتبعت إيران سياسة مكلفة لتطوير الأسلحة النووية.
تعتبر إيران واحدة من أهم ممرات تهريب المخدرات في العالم. يتم تهريب معظم المخدرات المنتجة في أفغانستان عبر إيران من قبل الحرس الثوري الإيراني إلى الدول الأوروبية.
يتم تنفيذ نقل المخدرات داخل وخارج إيران من قبل شركتين جويتين هما "آسمان" و"ماهان". يتم التحكم في هذه الخطوط الجوية من قبل استخبارات الحرس الثوري الإيراني، والتي تحدد نوع النشاط وكيفية نقل المخدرات من قبل هذه القوات.
في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، كشفت صحيفة "التايمز" عن الدور الرئيسي للحرس الثوري الإيراني في تهريب المخدرات داخل وخارج إيران، مشيرة إلى أن "تهريب المخدرات يجلب للحرس الثوري الإيراني مليارات الدولارات سنويًا". كما أوضحت الصحيفة أن الحرس الثوري الإيراني يحتكر حاليًا تجارة المخدرات في إيران ولديه علاقات مع شبكات الجريمة في جميع أنحاء العالم.
وفقًا لتقييم الأمم المتحدة، تدخل إيران 10 أطنان من المخدرات يوميًا، ويتم توزيع الجزء الأكبر منها داخل البلاد من قبل الحرس الثوري الإيراني. يعتبر انتشار الإدمان أحد سياسات النظام لتدمير الشباب الإيراني.
أظهر تقرير لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة أن "حوالى 40 بالمئة من المخدرات التي تدخل إيران تبقى في البلاد، بينما يتم تهريب 60 بالمئة المتبقية إلى العراق وتركيا وأذربيجان وأوروبا".
في 28 آذار (مارس) 2019، ألقت قوات خفر السواحل الهندية القبض على عدد من أفراد الحرس الثوري الإيراني في المياه قبالة ساحل جوجارات وبحوزتهم 100 كيلوغرام من الهيروين. حاول القارب الفرار بعد اقتراب خفر السواحل، لكن دون جدوى. تمكن خفر السواحل الهندي من الوصول إلى القارب واعتقال 9 ركاب إيرانيين وضبط 100 كيلوغرام من الهيروين. حاول الركاب إحراق القارب لإخفاء الأدلة على الجريمة عند اقتراب السلطات.
في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، كشفت وكالة رويترز للأنباء أن "الشرطة الإيطالية عثرت على 270 كيلوغرامًا من الهيروين في حاوية على متن سفينة كانت قادمة من إيران". ووصفت الشرطة الإيطالية هذا الاكتشاف بأنه "غير مسبوق في تاريخ البلاد خلال 20 عامًا". تم العثور على الهيروين مخبأ داخل شحنات من الورود.
بدأت السفينة رحلتها من ميناء بندر عباس في إيران وتوقفت في هامبورغ بألمانيا ثم فالنسيا بإسبانيا قبل أن ترسو أخيرًا في ميناء جنوا بإيطاليا في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2018.
الكلمة الأخيرة
وأصبحت إيران دولة عصابات يعتمد اقتصادها بشكل متزايد على تجارة المخدرات غير المشروعة. وعلى الدول المتحضرة أن تتعامل معها كأي دولة مخدرات أخرى، وأن تقطع علاقاتها الدبلوماسية وتدعم حق الشعب الإيراني ومقاومته لإسقاط نظام الملالي الشرير.
ولم يعد سراً أن «رأس الأفعى في طهران» في كل المصائب والشرور!
ومن الجدير بالذكر أنه بموجب القرار الذي تمت الموافقة عليه في 25 نيسان (أبريل)، أراد أغلبية أعضاء برلمان البرلمان الأوروبي إدراج الحرس الثوري على قائمة "المنظمات الإرهابية".
وفي هذا الاجتماع، قال جاي فارهوشتاد، رئيس الوزراء البلجيكي السابق وعضو البرلمان الأوروبي من الأحزاب الليبرالية الأوروبية: "... قوموا بتصنيف الحرس. حان الوقت للاعتراف بالمعارضة. المعارضة الإيرانية تمثل الشعب الإيراني. أوقفوا الدبلوماسية مع النظام الإيراني".
التعليقات