محمود معروف

رسائل عديدة وفي اتجاهات مختلفة، بعث بها عبد الاله بن كيران، الامين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المغربية المعين، حول «مأزق» تشكيل حكومته، بعد اكثر من 75 يوماً على الانتخابات التشريعية التي فاز بها حزبه، وتكليفه من طرف الملك محمد السادس بتشكيل الحكومة.

و«مأزق» بن كيران ليس في ضمان اغلبية ستكون، لكن في مستوى الاداء السياسي للفاعل السياسي المغربي و«الابتزاز» بيافطات مختلفة، ليس فقط للمشاركة بحصة أكبر من مقاعد الحكومة بل وفي افشال بن كيران انتقاماً من فوز حزبه، ذي المرجعية الاسلامية، في تشريعيات 7 تشرين الاول/ اكتوبر الماضي (125 مقعداً)، وإن كان ذلك الفوز متوقعاً قبل إجراء الانتخابات. 
وبعيد تكليف العاهل المغربي لعبد الاله بن كيران بتشكيل الحكومة، وفقاً للنص الدستوري الذي يقول باختيار ملك المغرب لشخصية من الحزب الفائز، كانت خريطة الحكومة واضحة، وفق المنطق السياسي، الذي افرزته نتائج الانتخابات واشارات التحالفات التي سبقتها.
واعتقد خصوم بن كيران بامكانية خلق تحالف من الاغلبية يمتنع عن المشاركة بالحكومة، واجريت من اجل ذلك اتصالات وعقدت اجتماعات واعطيت وعود، لكن حزب الاستقلال، أعرق الاحزاب المغربية، والفائز بالمرتبة الثالثة (46 مقعداً) افشل تلك المحاولات حين رفض المشاركة بها واعلنها دون وجل من دفع الثمن واضاف انه سيكون مع بن كيران حتى لو لم يشارك بالحكومة.
ومع حزب الاستقلال، كان حزب التقدم والاشتراكية (الحزب الشيوعي المغربي) (12 مقعداً) وفياً لتحالفه مع بن كيران وهو التحالف الذي دفع ثمنه انتخابياً الكثير، وكان بن كيران وفياً مع الحزب ومتمسكاً به ومقدراً لحزب الاستقلال موقفه وتمسك به، ليكون تحالفاً حكومياً من 183 مقعداً من 395 هي مقاعد مجلس النواب الذي يمنح الثقة في الحكومة، اي احتياجه عددياً لـ15 مقعداً اضافياً، وسياسيا للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (20 مقعدا) لخلق حكومة منسجمة والاتحاد وعد بن كيران انه سيسهل مهمته.
لكن لعبة السياسة في المغرب ليست ارقاماً ولا حسابات سياسية تتوافق مع منطق لعبة الارقام في الديمقراطيات، هناك «الغامض الواضح» وهو ما يعرفه بن كيران جيدا وعنوان الغامض الواضح الجديد هو التجمع الوطني للاحرار (37 مقعداً)، الذي استقال أمينه العام وكلف رجل الأعمال عزيز اخنوش، صديق الملك، بالالتحاق به ورئاسته، لذلك اعلن بن كيران عن انتظار المؤتمر الاستثنائي للتجمع واستكمال المراسيم الرسمية لزعامة اخنوش، وكان انتظاراً مكلفاً، إذ اتى اخنوش لبن كيران بسلسلة شروط، تتخلص عملياً في حكومة يشكلها اخنوش ويستولي فيها على الحقائب ذات الأهمية الاقتصادية.
عزيز اخنوش الذي يتولى وزارة الفلاحة منذ 2012 طلب استبعاد حزب الاستقلال وتولي وزارة التجمع او من يختارهم اخنوش حقائب المالية والاقتصاد والفلاحة والتجارة والصناعة، وهو ما رفضه بن كيران متمسكا بالوقت نفسه بمشاركة الاحرار بالحكومة، لانه يدرك باسم من يتحدث اخنوش.
على مدى شهرين، لا جديد في المشهد السياسي الحكومي المغربي، وكل ما يجري يدور في هذه الحلقة، ممزوجاً بـ«اجتهادات» دستورية بتكليف الحزب الثاني بتشكيل الحكومة، تشكيل حكومة وحدة وطنية واخيراً جاء اجتهاد التحكيم الملكي، وهي اجتهادات كلها تدفع باتجاه استبعاد بن كيران وحزبه عن تشكيل الحكومة، رغم انه «لا اجتهاد مع وجود النص» والنص واضح، يقول في حال فشل رئيس الحكومة المكلف لا مخرج الا اجراء انتخابات سابقة لاوانها، وهو مخرج، رغم كلفته المالية والسياسية على البلاد الا انه يتوقع ان يعطي حزب العدالة والتنمية مقاعد اضافية. 
عبد الاله ابن كيران، ولانه يريد ان يتكلم حضر الاحد اجتماع المجلس الجهوي للعدالة والتنمية في جهة الرباط سلا القنيطرة وقال «إذا قرر جلالة الملك إجراء انتخابات سابقة لأوانها فسنخوضها رغم عدم تحمسنا لها» ولا يرى مانعاً إذا استمر «البلوكاج» أن يتم اللجوء لانتخابات سابقة لأوانها، رغم تكلفتها، وما يصاحبها من انتظارات.
واعتبر أن صعوبة العملية الانتخابية تتمثل في كون كل الأطراف تبقى رهينة ترقب ما ستسفر عنه هذه العملية. وشبه هذه الانتخابات بالأم التي تنتظر مولوداً ولا تدري كيف ستضع مولودها. واكد ان «الملك حكم بين المؤسسات وليس الاحزاب، وأنا لن أقحم الملك في أمر بين الاحزاب السياسية، والأحزاب عليها أن تتحمل مسؤوليتها».
وقلل من خطورة «البلوكاج» الموجود واعتبر أن التأخر عن اعلان الائتلاف الحكومي أمر عادي وان المغرب لا يمر بأزمة سياسية بخلاف بعض الاطروحات السياسية التي تحاول الترويج لذلك وأضاف أن النقاش مع عزيز أخنوش لم يعرف أي تقدم، رغم وجود اتصالات مباشرة من حين لآخر. مؤكدا انه شخصيا متشبث بوجود التجمع الوطني للأحرار بحكومته الجاري تشكيل أئتلافها، كما هو متشبث بوجود حزب الاستقلال بها.
وقال إن كل الأطراف المعنية بالائتلاف الحكومي متشبثة بموقفها ومطالبها، في إشارة إلى استمرار أخنوش وضعه «للفيتو» على حزب الاستقلال، ومطالبته ببعض المطالب الاخرى، من قبيل الحصول على حقائب القطب الاقتصادي والمالي وهي مطالب «غير معقولة ولا يمكن القبول بها، رغم ما يربطه به من علاقات خاصة وجيدة جداً».
ورفض بن كيران من جديد الشروط المسبقة التي يتلقاها من أخنوش أو من غيره. وقال أنا الذي أشكل الحكومة وليس غيري، في إشارة الى أنه يرفض الاملاءات والشروط من الفرقاء الحزبيين بشأن تشكيل الحكومة كونه هو المكلف من قبل الملك لتشكيل الحكومة وليس غيره، بعدما احتل حزبه المركز الاول في الانتخابات.
وربط تشبثه بدخول حزب الاستقلال إلى الحكومة المزمع تشكيلها، بالقواسم المشتركة بينه وبين العدالة والتنمية «يكفيني في تشبثي بحزب الاستقلال أن علال الفاسي هو الذي أسسه» وقال «على الأحزاب المطالبة بإخراج حزب الاستقلال من الحكومة، أن يعلنوا ذلك للمواطنين علانية، وأن يقدموا براهينهم وحججهم» موضحاً «من غير المعقول اشتراط خروج حزب لدخول حزب آخر»، مضيفاً «على الطبقة السياسية والثقافية والإعلامية تحمل مسؤوليتها في فتح نقاش صريح وعلني حول من المسؤول عن البلوكاج».
وطالب بن كيران عزيز اخنوش بأن يصارح المغاربة بالسبب الحقيقي الذي دفعه للاعتراض على دخول حزب الاستقلال الى الحكومة واضاف (لو اني اعطيت الكلمة للاحرار بدخولهم الى الحكومة وجاء حميد شباط او غيره وطلب مني اخراج الاحرار من الحكومة كشرط لدخوله لما وافقت على ذلك الدولة والاحزاب خاصهوم (يجب ان) يكونوا معقولين ويحترموا ارادة الناخب ويحترموا الدستور). كما طالب بن كيران الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية «بأن يحسم ويوضح موقفه من المشاورات الحكومية».
من جهة أخرى انتقد بن كيران استئثار وزراء الاحرار بالتوقيع على جل الاتفاقيات التي أبرمت في افريقيا بمناسبة الزيارات التي يقوم بها الملك محمد السادس لعدد من دول القارة السمراء وفي إشارة الى ان رئيس الحكومة لم يستشر في الموضوع اطلاقاً قال بن كيران «لماذا يعتقدون أن وزراء الأحرار هم وحدهم الذين يفهمون في الاقتصاد، وهم وحدهم الذين يفهمون في الاتفاقيات مع افريقيا، حتى وزراء الحركة يفهمون ووزراء العدالة والتنمية يفهمون». 
وهاجم عزيو رباح وزير النقل والتجهيز السابق، والقيادي في حزب العدالة والتنمية «الحاقدين الذين لا يتوقفون عن مهاجمة بن كيران وحزبه»، واصفاً إياهم بـ»الفشلة والأغبياء» واعتبر رباح في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك،» أن الحديث عن تقابل تصادمي بين القصر ورئيس الحكومة في شروط تشكيل الحكومات ومكوناتها إلى درجة الإيحاء بوجود أزمة لا أساس لها» ، مشيراً الى أن « المجموعات نفسها التي فشلت سابقاً فيما قامت به وتعود إلى عادتها ودورها وحربها على التطورات الايجابية والمؤسسات تروج مثل هذه المغالطات، لأنها تشعر بضعف قبضتها وتأثيرها على الشعب ولا يهمها مصلحة الوطن وقوة مؤسساتها».
وعادت يومية «العلم»، لسان حزب الاستقلال لتهاجم من جديد، رئيس التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، ووصفت مجيئه على رأس التجمع بـ«عملية الإنزال» التي تريد النيل من حزب الاستقلال «بعد فشل أساليب الضغط والابتزاز لإجبار حزب الاستقلال على الانقلاب على الدستور وعلى الشرعية الانتخابية، هاه م يلتجئون إلى الكذب وافتعال الوقائع والتحريض».
وأوضحت أنه «لم تنفع أساليب الضغط والابتزاز كافة في لي ذراع حزب «الاستقلال» لإجباره على التمرد على الشرعية الانتخابية»، مضيفة «فقد جربوا أساليب المحاكمات وتلفيق التهم، وجربوا التحريض ضد الحزب بواسطة أشخاص أوكلوا إليهم أدواراً متسخة»، مؤكدة على أَن «حزب الاستقلال، لما أفشل المؤامرة الانقلابية، ها هم يخططون للانتقام منه، واستعملوا في سبيل ذلك زعامات كرتونية وكتبة مسخرين».