بينة الملحم

من أصعب ما يمارسه الكاتب الباحث المختص في قضايا التطرف والإرهاب أن يعود إلى تناول حدثٍ إرهابي، لأنه حينها سيقع بما يمكن تسميته بـ"فخ التدوير"، وأعني به أن نكرر ما قلناه عن الإرهاب منذ أن أضحى ماركة عالمية وشماعة سياسات وأحزاب وتنظيمات؛ ولئلا يكون كلامي مكرراً سأنطلق بمقالي من واجهة الأسئلة. في حدث مثل مقتل السفير الروسي نقرأ قصةً مختلفة عن الشخص القاتل وعن دوافع القتل العامة. سوى أن انعكاس الحدث ومآلاته على المنتصر لهم بزعم القاتل مكررة، قتل يعقبه تبني جهة وإدانة من عدة جهات.

الإدانات التي تأتي لمنع تشويه صورة الإسلام، مع أن بعض المسلمين ربما يرسمون الصور الخاطئة عن الإسلام بتصرفاتهم وسلوكياتهم كبعض أولئك الذين عبروا عن فرحتهم وهللوا تكبيراً لقتل السفير الروسي كمعاهد يحرّم الإسلام قتله!

وبعيداً عن انعكاس الحدث على المشهد السوري ومجريات الأحداث الدموية والإبادة والتهجير الجماعي التي يمارسها النظام السوري وحلفاؤه ضد الشعب الأعزل؛ انعكاس حدث كهذا لو فصلناه عن سياقات سيناريوهاته المُحتملة ومن يقف خلفه، حدثٌ كهذا يتجاوز تأثيره على مساحة محددة أو عدد محدد من السكان وكأنهم يجرون المسلمين جميعاً إلى معركة أخرى جديدة أو يفتحون فصلاً جديداً في مسرحية كبيرة.

تأتي حادثة قتل السفير الروسي لتعقد الملف السوري أكثر؛ وتنتج مزيداً من الإرهاب المتدثر بالدِّين زوراً أكثر، وتمنح التنظيمات الإرهابية التي ترفع شعارات الدين المشروعية لممارسة إرهابها وتسويغ الالتحاق بها بحجة نصرة الدين بأعمال تنافي الدين!

ولعل من أجمل ما قيل في توظيف الدين سياسياً ما قاله الشيخ محمد متولي الشعراوي:" أتمنى أن يصل الدين إلى أهل السياسة ولا يصل أهل الدين للسياسة".