عبدالله الجعيثن

زيادة على العلم والشهادة التي يحصل عليها المبتعثون من الجنسين، فإنهم يحصلون على قيمة مضاعفة أخرى، لا تقل عن تحصيل العلم، وهي (الاعتماد على النفس) والاعتياد على التدبير، ونبذ التبذير.

أعرف كثيراً من المبتعثين الذين عادوا ناجحين، لقد تغيّرت حياتهم وسلوكهم، كان أكثرهم قبل الابتعاث كسولاً يعتمد على أهله في المصروف، وعلى الخدم في البيت، ولا يعرف من الطبخ إلا سلق البيض، بعد الابتعاث تغيّرت الأمور بشكل عجيب! بمجرد خروجنا لنزهة في (البر) فإن المبتعث هو الذي يتطوع بالطبخ والتفنن فيه! وقد كنا نعرفه لا يطيق الطبخ قبل الابتعاث..!

كما أن الذين كانوا مسرفين عادوا من الغربة مُدَبِّرين، معتدلين، يضعون النقود في موضعها الصحيح.. فقد تعلموا من البلاد التي مكثوا فيها سنوات، التعقل في الصرف، والقصد في الاستهلاك، والاهتمام بالادخار..

أيضاً فإن أكثر المبتعثين الذين سمعت لقاءات معهم في الإذاعة، أو أعرفهم شخصياً، أصبحوا أقوى وأقدر على أداء أشق المهام، وأصبر في مواجهة المشكلات، لأنهم أخذوا دروساً عملية من الغربة، وتعودوا على النظام والنظافة، والالتزام بقواعد المرور، والانتظار في الطوابير، والحرص على إتقان العمل، والدقة في المواعيد، وكل ذلك من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف أصلاً (إنّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) لكنهم وجدوا القدوة في بعض بلاد الغرب أكثر مع الأسف، والدروس العملية أهم من الدروس العلمية -على أهمية الأمرين- خاصة أن مناهج التعليم في الغرب تعتمد التفكير والنقد وليس التلقين والحفظ.

الابتعاث يمنح الإنسان -رجلاً كان أو امرأة- قيمة ذاتية مضاعفة، هي القوة والقدرة على التحمل وحب العمل والاعتدال في الصرف، كما غيّر رغبات أكثرهم في امتلاك منازل كبيرة إلى الإصرار على أن يكون المنزل صغيراً مناسباً جميلاً قليل التكاليف، مع الحرص على الوقت، والاهتمام بالابتكار والإتقان.