تركي عبدالله السديري

في مقالي السابق بعنوان: «هل هذه لبنان؟»، لو وُجّه السؤال إلى فيروز فإن دموع عينيها فيها الإجابة على هذا السؤال..&

منذ حوالي ثلاثين عاماً وأكثر كنت أكتب بجزالة عن سيدة الغناء العربي فيروز، حيث كانت واضحة في كل تفاصيل مشوارها الفني، رسالة ثقافية توضح سمو الفكر العربي.. لقد شكّلت مع زوجها عاصي وأخيه منصور ثنائياً مسرحياً عروبياً بكل ما تعنيه الكلمة..&

قدم الأخوان رحباني مسرحاً غنائياً، لكنْ ذو طابع فلسفي يعيد قراءة التراث العربي بكل تذوّق.. حيث قدم قصائد مختارة لعنترة بن شداد والأعشى وغيرهم من شعراء العرب، وعبر أزمنة مختلفة مثل: أبو نواس في الزمن العباسي، وابن الخطيب صاحب الموشح الشهير «جادك الغيث إذا الغيث همى» في الزمن الأندلسي.. أدى هذا التوهّج الثقافي إلى انضمام شعراء كُثر لفرقة فيروز والرحابنة مثل: سعيد عقل ونزار قباني.. بل حتى الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب شارك تلك الكوكبة التي سمت فوق الطائفية لتقدم الإرث الأدبي للعرب والمسلمين..&

ولكن مع مرور السنوات، والترهّل العربي، ووصول العسكر للحكم في كثير من الدول العربية احترق جمال التناغم العربي؛ حتى انفجرت الحرب الأهلية الطائفية في لبنان، وتحوّل البعض إلى شعر يمدح ربما بما في ذلك إسرائيل، ويكتب بالحرف اللاتيني.. وبعد عقود انفجرت الأصولية الإسلامية.. ها نحن اليوم نرى أربع دول عربية بلا حكومة حقيقية أو إدارة..&

لعل فيروز الآن تنظر من شرفة بيتها في بيروت وهي تتذكر تلك الأيام الجميلة بحسرة..