إميل أمين

من بين أهم القضايا التي باتت تشكل ركنًا رئيسيًا في تحديد مسارات نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، تأتي قضية وجود الإسلام والمسلمين في أميركا، التي احتدمت حتى وصلت إلى حالة من المزايدة عليها من قِبل المرشحين للانتخابات من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء، بين من يسعى لإقصائهم بالمرة، ومن يرى في عنصرية بغيضة أن المسلم الأميركي لا يحق له الترشح للرئاسة، والمحصلة أن هناك «شيطنة» ما تجري داخل البلاد لفصيل يكفل له الدستور جميع حقوق المواطنة.


كيف لنا أن نؤصل لنظرة بعض الأميركيين إلى الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة الأميركية؟
العودة إلى الجذور الأولى والبعيدة نجدها عند توماس جيفرسون، غير أن هذه القراءة تستلزم أبحاثا أكاديمية، وعليه فإن أقرب نقطة يمكن لنا أن نؤرخ من منطلقها تلك التي وسمت القرن الحادي والعشرين، بملامح العنف، أي أحداث الحادي والعشرين من سبتمبر (أيلول) 2001.


في كتابه «من نحن؟ المناظرة الكبرى»، للمفكر الأميركي الراحل صموئيل هنتنغتون، نجد توصيفًا يلائم رؤيته للأحداث، وعنده أن أسامة بن لادن عندما هاجم تنظيمه أميركا برجي التجارة العالميين، وقتل ما قتل من الناس، فإنه أقدم أيضًا على فعلين آخرين: فقد ملأ الفراغ الذي أحدثه ميخائيل غورباتشوف مع خصم جديد خطير أكيد، وقد حدد بدقة هوية أميركا بأنها أمة مسيحية.


في هذا الإطار، فإن الأميركيين وإن كانوا من قبل لم يروا في الإسلام أو المسلمين أو الدين الإسلامي أو الحضارة الإسلامية عدوًا لأميركا بالطبيعة والحتمية القدرية، إلا أنهم الآن يرون في أولئك المتشددين الإسلاميين عدوًا لأميركا.. هل كانت تلك الأحداث منشأ الحرب الجديدة بين أميركا والإسلام المتشدد؟ الخلاصة عند هنتنغتون هي أن العداء الإسلامي المتشدد يشجع الأميركيين على تعريف هويتهم في سياق ديني وثقافي، مثلما أدت الحرب الباردة إلى دعم تعريفات سياسية وعقائدية لهذه الهوية.


هل للمرء أن يقيم مقاربة ما بين ما يقوله هنتنغتون الآن وما أشار إليه جورج كينان عام 1946؟
كينان دبلوماسي ومؤرخ أميركي (1905 - 2005) تخصص في الشؤون الروسية والسوفياتية، وهو صاحب «نظرية الاحتواء» Containment التي وجهت السياسة الخارجية الأميركية طوال مرحلة الحرب الباردة، وقد كتب ذات مرة يقول عن الأعداء السياسيين لأميركا أي الشيوعيين في ذلك الوقت «لدينا هنا قوة سياسية ملتزمة في تعصب بالاعتقاد بأن لا يمكن أن تحدث معايشة Modus vivendi دائمة مع الولايات المتحدة، وأنه من المرغوب فيه ومن الضروري وقف الانسحاب الداخلي لمجتمعنا، وتدمير طريقتنا التقليدية في الحياة، وكسر السلطة الدولية لدولتنا»، هل تصف هذه الكلمات حال أميركا مع الإسلاميين المتشددين الجدد؟
في ديسمبر (كانون الأول) المنصرم، فجر رجل الأعمال والملياردير الأميركي المعروف دونالد ترامب، برميل البارود الدوجمائي، عندما طالب بفرض حظر تام على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة الأميركية، وقد برر تلك الدعوة العنصرية بأنها رد طبيعي على «الكراهية التي يكنها جزء كبير من الجالية المسلمة للأميركيين».


لم تكن تصريحات ترامب هي الأولى من نوعها في ديسمبر الماضي، فقد سبقتها بفترة زمنية تصريحات مشابهة له، اقترح في بعضها وطالب في البعض الآخر، بإغلاق المساجد، وإنشاء سجلات منفصلة للمسلمين، وإجبار مسلمي أميركا على حمل هويات خاصة، تدفع بجيرانهم إلى سرعة الإبلاغ عنه حال الشك في أي عمل يخططون للقيام به، أما الكارثة الكبرى فهي التعاطي مع كل مسلم أميركي على أساس أنه «إرهابي محتمل» إلى حين يثبت عكس ذلك.


على أي وتر يعزف ترامب؟
بالقطع، إنه يتلاعب بمقدرات التيارات اليمينية والمتطرفة، سواء من المتدينين الأميركيين أو من القوميين المتعصبين، وهؤلاء في تنامٍ شديد في العقود الأخيرة، وفي كل الأحوال فإن ترامب يدغدغ المشاعر السلبية، وينمى ظاهرة الإسلاموفوبيا بعد أن خيل للبعض أنها قد توارت بعد نحو عقد ونصف من تفجيرات نيويورك وواشنطن.


ذكّر ترامب مشاهديه ومتابعيه بما هو غير ثابت وغير موثق، أي احتفال «مسلمين أميركيين» في شوارع مدن أميركية بعينها بسقوط أبراج نيويورك والاعتداء على البنتاغون، ومهما يكن من عدم صحة الواقعة، إلا أن التذكير بها الآن وعلى وقع ما جرى في سان برناردينو في كاليفورنيا، قد أعاد فتح جروحات الماضي، الأمر الذي أدى إلى رواج دعواته العنصرية بين ملايين الأميركيين سواء جهرًا أو سرًا، وهذا ما ستثبته الأيام المقبلة، والفيصل هنا هل سيحظى ترامب بدعواته الفاشية بدعم الحزب الجمهوري له للترشح للرئاسة الأميركية 2016 أم أن الرجل ليس أكثر من بوق «كراهية» للإسلام والمسلمين والانتخابات الرئاسية الأميركية 2016، لا ينفك أن يذهب صداه هباءً من دون أي أثر حقيقي؟&قد تكون نتائج الانتخابات التمهيدية في ولاية آيوا تؤكد أن ترامب ظاهرة صوتية وليس تيارا سياسيا أميركيا حقيقيا، والبقية تأتي.
&