&عبد الله بن إبراهيم العسكر

&كان العراق، وأرجو أن يكون، موئل العرب ومركز الحضارة العربية والإسلامية. كان بلدا اشتهر بكثرة العلماء والمبدعين في كل الميادين، ثم أضحى بلدا يئن من الجراح، تتقاذفه أمواج متصارعة من الطائفية والعشائرية، ويتدخل في شؤونه الجار والبعيد. ويجوس خلال دياره ومرابعه شذاذ الآفاق من المنتسبين زورًا للإسلام. وهل سيعود العراق إلى ما كان؟!&

شخصيًا لست متفائلاً بالعراق الذي كان، فعراق اليوم وضعه صعب جدًا، حتى لو هُزمت داعش كما حدث في الأنبار، فالعراق سيواجه تحديات كبيرة تتمثل في الصراع الطائفي والعشائري

انصرم عام 2015 وكنتُ رجوت أن يكون العام الذي يشهد عودة العراق إلى حضنه العربي، ويلملم جراحه. لكن لم يحدث ما رجوته. بل كان العام مأسويًا أسوة بأعوام خلت. فما زالت داعش تسيطر على أجزاء من أرضه، وما زالت إيران تسيطر على فضائه السياسي. من لم يكن ساكنا في المنطقة الخضراء كما سمتها أميركا صاحبة الغزو المشؤوم، فليس آمنا على نفسه أو عيشه. والناس يكاد الطير يتخطفهم في كل مكان. أما حكومات العراق المتعاقبة بعد الغزو الأميركي، في هذا الزمن البائس، فهي رهينة تجاذبات بين قوى جارة وأخرى بعيدة، وبينهما مليشيات عسكرية طائفية تكاد تكون حكومات داخل حكومة العراق، مليشيات تملك الأموال والسلاح والنفوذ ويتبعها أناس قد لا يدركون المآلات.

&وكاد بصيص أمل أن ينتشر مع قدوم حكومة حيدر العبادي، التي لاقت قبولاً ودعمًا إقليميًا واسعين، لعلها تتصدى للقوى الداخلية والخارجية التي تستفيد من حالة الضعف والتشرذم، والانتكاسات التي تسببت فيها حكومة سلفه. لكن ذاك الأمل بدأ يخبو مثل آمال سابقة مع أزمة اقتصادية وتراجع أسعار النفط، ثم تصاعد الاحتجاج الشعبي. وكلها شكلت عراقيل أمام حكومة العبادي. وكانت النتيجة انطلاق تظاهرات شعبية سلمية بدأت من بغداد ثم عمت مدن جنوب العراق في صيف عام 2015. وهي تظاهرات لا تقودها الزعامات الدينية المعروفة. وكان المتظاهرون يرفعون شعارات الدولة المدنية، التي تستوعب كل مكونات العراق بصرف النظر عن الدين او المذهب.

&واجه حيدر العبادي تلك المظاهرات بأسلوب جديد غير مطروق، حيث أعلن تأييده لها، وهو بهذا يكون أول رئيس يتظاهر ضد حكومته ويقود احتجاجا ضدها. ثم خطى خطوة أكبر عندما أقال نواب رئيس الوزراء من مناصبهم، فوجد ستة من صقور المشهد السياسي العراقي أنفسهم خارج السلطة الرسمية، لكن الأمور لم تسر على ما خطط له العبادي، فواجهته مصاعب حادة منها: انخفاض أسعار النفط، الذي تسبب في عدم قدرة الحكومة العراقية على الوفاء بالتزاماتها الخدمية والمشروعات المقترحة، وتعدى ذلك إلى عدم قدرتها على دفع رواتب الموظفين.&

كانت سياسة التقشف المالي مربكة لحكومة العبادي. وصاحب الإرباك تعدد قراءة مشروع الحكومة للتقشف من قِبل أناس في السلطة ومن قِبل المتظاهرين. وكانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.

&ولعل سبب فشل المشروع يكمن في أن الحكومة لم تضع خطا فاصلا واضحا ببين الإجراءات الاضطرارية للتقشف، وبين الإصلاحات السياسية التي يطالب بها المتظاهرون، ما أدى إلى الوقوع في فخ عُرف باسم: فخ الذئاب. وهو فخ يقع فيه الساسة الذين يستثمرون الشارع الملتهب في صورة سلبية، دون الالتفات إلى خطورة الاستقطاب الشعبي السلبي. فابتسرت الإصلاحات السياسية المقترحة تحت ضغط المحاصصة الطائفية والحزبية، ما منح المسؤولين عن الفساد حصانة واسعة. وبالتالي واجه شباب التظاهرات السلمية تُهم مسنودة بفتاوى دينية من قبيل الإلحاد والكفر والعمالة، وتمت تصفية بعضهم، واعتقال آخرين والتضييق عليهم.

&وشخصيًا لست متفائلاً بالعراق الذي كان، فعراق اليوم وضعه صعب جدًا، حتى لو هُزمت داعش كما حدث في الأنبار، فالعراق سيواجه تحديات كبيرة تتمثل في الصراع الطائفي والعشائري، خصوصا مع إجراءات الحكومة، التي ينظر إليها كثير من العراقيين بأنها تكرس الانقسام العشائري، بمنح بعض العشائر امتيازات مثل التسليح وقبول أبنائها في الجيش والأمن العراقي.

&وما يقلقني هو عراق ما بعد داعش. وفي الفضاء السياسي العراقي يدور حديث عن ثلاثة سيناريوهات: تقسيم العراق إلى ثلاث دول، أو دولة عراقية فيدرالية، أو دولة عراقية كونفدرالية.

&صاحب ذلك الحديث حديث رسمي يتمثل في اعتراف الحكومة العراقية بالحشد الشعبي الشيعي قوة عسكرية، لها الحق في الحصول على دور سياسي في عراق المستقبل. وهذا يذكرني بمشروع حزب الله في لبنان، الذي يشكل دولة داخل دولة. فأين نحن من العراق الذي كان. والله المستعان.