&زياد الدباس

على رغم صعوبة التكهن بتحركات أسعار النفط بسبب عوامل كثيرة، ما أدى إلى التباين الكبير في التوقعات، يلاحظ أن غالبية التوقعات التي صدرت خلال الثلث الأخير من شباط (فبراير) الماضي ومطلع الشهر الجاري، متفائلة بارتفاع سعره بعد تخطّيه حاجز 40 دولاراً على رغم عوامل أساسية سلبية. فالمسح الأخير الذي قامت به وكالة «رويترز» وشمل آراء ٣٠ خبيراً ومحللاً اقتصادياً، أظهر أن سعر النفط سيتجاوز حاجز ٤٠ دولاراً في المتوسط هذه السنة، بينما أشارت توقعات «هيرمس» الى أنه سيصل الى نحو 70 دولاراً مطلع عام 2017. ويذكر أن النتائج المحلية للدراسات تشير الى أن أسعار الخام ستبقى ضمن مستوياتها المتدنية الحالية في الفترة القريبة.

وبدأ كبار المنتجين في «أوبك» يتحدثون عن أسعار جديدة للنفط تقارب 50 دولاراً، وهو مؤشر الى أن موجة الهبوط الطويلة انتهت، وأن تعافي أسعار النفط يدعمه خفض محتمل لإمدادات المعروض من المنتجين الرئيسين، مع الأخذ في الاعتبار تصريحات مسؤولين في قطاع النفط بأن الأسعار الحالية تجبر كثراً من المنتجين على تجميد مستويات الإنتاج. وبالتالي، فإن أوضاع سوق النفط تسير باتجاه التوازن.

لكن يلاحظ أن المسؤولين التنفيذين لشركات النفط العالمية في اجتماعهم الأخير قبل الأسابيع الثلاثة الماضية، كانوا أكثر تحفظاً تجاه توقعات الأسعار خلال المرحلة المقبلة، نتيجة الضبابية حول أثر العوامل المختلفة في حجم الطلب والعرض. علماً أن الانخفاض الكبير في سعر النفط أدى الى أرباح محدودة لبعض الدول المنتجة، ما ساهم في عجز في موازناتها وتراجع مستويات إنفاقها وخفض التصنيف الائتماني للكثير منها (بينها ثلاث دول خليجية)، بينما يقترب سعر النفط من نقطة التعادل في دول أخرى، وهو غير مجد للدول حيث ترتفع كلفته. وإذا أخذنا في الاعتبار فقدان سعر النفط نحو ٧٤ في المئة من قيمته، إضافة الى مستوى التضخّم وارتفاع كلفة الإنتاج، فإن النتيجة هي أن سعر البرميل خلال هذه الفترة وفقاً لمعادل القوة الشرائية، يقترب من سعره خلال انهيار التسعينات والثمانينات.

يُذكر أن عوامل عدة تلعب دوراً مهماً في تحركات سعر النفط، تأتي في مقدمها قوى العرض والطلب والمضاربات اليومية في البورصات العالمية، والعلاقات السياسية بين الدول المنتجة، ورفع الحظر الأميركي عن تصدير النفط، وسياسة منظمة «أوبك»، وتباطؤ الاقتصاد العالمي بخاصة الصين، وقوة الدولار. فارتفاع الأخير سيؤتر سلباً في أسعار النفط، إضافة الى الانعكاسات السلبية لرفع الحظر عن إيران، وارتفاع المخزون التجاري والاستراتيجي العالمي، إذ هناك فائض يومي في الإنتاج يتجاوز مليون برميل، إضافة الى تأثر أسعار النفط بالعوامل الجيوسياسية.

في المقـــابل، أصبح الانخفاض الكبير في سعر النفط مصدر خطر على نمو الاقتصاد العالمي وآفاقه وتوازنه، وأصــــبحت لتراجــــع أسعار النفط تداعيات سلبية على معدلات التضخم فيـــــ الدول الصناعية، التي سجلت في كانون الثاني (يناير) الماضي في منطقة اليورو 0.4 في المئة، بينما المعدل المستهدف للبنك المركزي الأوروبي يبلغ ٢ في المئة. وحذّر رئيـــس البنك المركزي الأوروبي من أن تراجع أسعار النفط قد يؤدي الى تضخم سالب، وأصبح البنك يفكر في وضع آليات لـــمواجهة التضخم السالب. بينما أشارت البيانات الصادرة عن مكتب العمل الأميركي، الى أن اقتصاد الولايات المتحدة يحقق معدلات تضخم سالبة، ما أثار قلقاً لدى مجلس الاحتياط الفيديرالي، إضافة الى ذلك الذي يواجهه البنك المركزي اليـــاباني من مستويات التضخم. وللتضخم السالب آثار سلبية عدة، في مقدمها تراجع النشاط الاقتصادي. وبالتالي، لاحظنا تراجع مؤشرات الأسواق العالمية عندما انخفض سعر النفط بنسبة كبيرة ، وارتفاعها عندما بدأت الأسعار بالارتفاع.

في المقابل، حصل تحسّن كبير في مؤشرات أداء الأسواق الخليجية نتيجة انتعاش أسعار النفط، وفي طليعتها قيمة التداولات اليومية وارتفاع أسعار أسهم الشركات المدرجة، وتدفق الاستثمار المؤسسي المحلي والأجنبي للاستفادة من الفرص الاستثمارية المهمة التي وفرتها موجات التراجع التي تعرضت لها الأسواق. يضاف الى ذلك، تحول عدد كبير من المستثمرين من مضاربين الى مستثمرين على الأجل الطويل في ظل تراجع أخطار الأسواق وارتفاع معنويات المستثمرين، بخاصة أن معظم التنبؤات حول توقعات سعر النفط خلال شهر كانون الثاني كان متشائماً ومحبطاً. فأسواق الإمارات على سبيل المثل، غطت كل الخسائر الجسيمة التي تعرضت لها خلال كانون الثاني الماضي نتيجة موجة التراجع القاسية التي تعرض لها النفط، وحققت مكاسب إضافية نسبتها ٦,٥ في المئة لسوق أبو ظبي، و٧,٢ لسوق دبي خلال هذا العام. علماً أن سعر «برنت» ارتفع بنسبة ١٠ في المئة خلال هذا العام، وساهمت الارتفاعات المتواصلة في تغطية تراجعه الكبير خلال كانون الثاني. وتحقيق مكاسب إضافية واستقراره ما بين ٣٥ و٤٠ دولاراً خلال هذه الفترة يساهمان في تراجع مُعامل الارتباط بين حركة سعر النفط وحركة مؤشرات أسواق الخليج في شكل قياسي. بينما يؤدي تراجع الارتباط الى الاهتمام بالأساسيات، سواء المتعلقة بأداء الاقتصاد أو القطاعات أو الشركات، من جانب مختلف شرائح المستثمرين، وبالتالي ارتفاع كفاءة الأسواق وارتباط تطور أسعار أسهم الشركات المدرجة بتطور أدائها. وأدت موجات التراجع القاسية التي تعرضت لها أسواق الأسهم الخليجية، الى بيع عشوائي وتراجع أسعار أسهم نسبة مهمة من الشركات دون قيمتها العادلة، وبعضها دون قيمته الإسمية والدفترية.