&&عبدالله بن بجاد العتيبي&&

بعيدًا عن إيران وقريبًا من الدول العربية، بعيدًا عن التكتيكات الحالية واقترابًا من المواقف الضاربة في التاريخ، بعيدًا عن تعقيد مصالح اليوم وتشابكاتها، وأدنى إلى استعراض سريعٍ للمواقف والسياسات والقرارات، التي حكمت العلاقة بين بعض الدول العربية وبعض مثقفيها من جهةٍ، وبين السعودية ودول الخليج من جهةٍ أخرى، «التحالف العربي» تجاه اليمن بات اليوم أقرب ما يكون إلى أبواب صنعاء، وكل الأخبار والمعلومات تشير إلى قرب انتهاء الحرب في اليمن، وليس انتهاء الأزمة، وقبل أقل من عامٍ كانت الدعاية الإيرانية وداعموها العرب يصوّرون جماعة الحوثي كقوةٍ قادرةٍ على احتلال اليمن بأسرع وقتٍ، وأيسر ثمنٍ ومن دون تكلفةٍ تذكر، وبعد «عاصفة الحزم» التي أعلنتها السعودية وأغلب دول الخليج وبعض الدول العربية اتضح أن الحوثي وجماعته وحليفه المخلوع صالح، لم يكونوا سوى نمورٍ من ورقٍ.

ظلت المملكة العربية السعودية وغالب دول الخليج العربي حتى في مراحل التشكل الأولى تقف مع الدول العربية في كل ملفاتها وتولي اهتمامًا بالغًا بقضايا العرب والمسلمين الكبرى، وتقدم آراء ومشاريع عقلانية وواقعية، منذ الملك عبد العزيز ورفضه إخراج الفلسطينيين من بلادهم، كما كان الرأي العربي السائد آنذاك، واقتراحه بمدهم بالمال والسلاح ليدافعوا عن بلدهم بأنفسهم، وأن يكون العرب ردءًا لهم، ورفض العرب وفشلوا.

وصل ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس السياسة والأمن وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف إلى باريس في زيارة رسمية تبحث جميع ملفات المنطقة من العراق إلى سوريا، ومن لبنان إلى اليمن، ومن اختلال التوازنات الدولية ونوعية الاصطفافات إلى الملفات الملحة كالاقتصاد والإرهاب، والتأثيرات المستقبلية التي يمكن تطوير التعامل معها والتأثير فيها بل وصناعتها.

شاركت السعودية بجيشها ورجالها في حرب 1948، ووقفت السعودية مع مصر إبان العدوان الثلاثي في 1956، ثم قامت الدول العربية بعد انقلابات العسكر التي سموها الثورات لاحقًا لمهاجمة الملكيات العربية، ونجحت انقلاباتهم في عددٍ من الدول العربية، فبعد مصر كانت العراق وسوريا، واليمن وليبيا، والسودان، وفشلت جميعًا في دول الخليج.

قبل أن يصل الأمير محمد بن نايف لفرنسا، كان في تونس في اجتماع وزراء الداخلية العرب، الذي وصل إليه بعد أن صنفت السعودية «حزب الله» كمنظمةٍ إرهابيةٍ، وبعد أن كانت دول الخليج العربي مجمعةً على تصنيفه إرهابيًا، واستخرج من الاجتماع بيانًا عربيًا يؤيد هذا التصنيف، ومن قبل كان قرار وقف المساعدات للدولة اللبنانية المرتهنة لقرار الحزب، الذي سيواجه أيامًا عصيبةً وسيكون بين خياراتٍ عسيرةٍ في المستقبل.

لم تكنّ السعودية ودول الخليج أي انتقامٍ للجمهوريات العربية، بل على العكس، فحينما دقت ساعة الصفر، في حرب 1973، وقفت وقفةً تاريخيةً وتناست كل أحقاد الماضي وإحن الصراعات السياسية، وشاركت بالرجال والمال وعرّضت اقتصادها لهزة تاريخية بقرار قطع النفط، وكانت لها اليد الطولى في نتائج تلك الحرب، وبغض النظر عن أي حساباتٍ فهي لم تشترط أي شروطٍ على مواقفها، بل كانت فخورةً بالتزامها بمبادئها ورؤيتها.

أعلنت السعودية أخيرًا عن مواقف إيران ورعايتها للإرهاب، وأصدرت عبر وزارة الخارجية، بيانًا مفصلاً عن تلك الجرائم بالتواريخ والأرقام، كما أعلنت وزارة الداخلية السعودية عن خليةٍ إيرانية للتجسس، وسمّت عناصرها وأدوارهم وعلاقاتهم وقادتهم في إيران، وهو أمرٌ مستمرٌ منذ سنواتٍ في الكويت والبحرين ومصر والمغرب وفلسطين وغيرها من الدول العربية، وهي جميعًا تنبئ عن عمليات نوعيةٍ باتت تستهدف إيران وأذيالها في المنطقة.

بعد 1979، وما كان يعرف بالثورة الإسلامية في إيران، تهافت بعض العرب، مثقفين وساسةً، يسارًا وقوميين وإسلامويين، الذين دعمتهم السعودية ودول الخليج في مراحل متعددة إلى حضن الخميني، الثائر الجديد، الذي أراد الظهور بهوية جديدةٍ، وأعلن «تصدير الثورة» ضد الدول العربية تحديدًا، فواجهه العراق عبر صدام حسين، والدعم السعودي والخليجي غير المحدود.

لقد تم طرد إيران وعملائها من الكثير من الدول، من اليمن بالقوة الخشنة، ومن دول الخليج عبر قوة الأمن والاستقرار، كما من بعض الدول الأفريقية، وتم تحجيم نفوذها في كثير من دول العالم، سواء في جنوب شرقي آسيا أم في أميركا الجنوبية أم في غيرها، والعمل جارٍ على قدمٍ وساق تجاه الدول العربية المختطفة.

خان صدام فغزا الكويت 1991، وخان جلّ القوميين واليساريين والإسلاميين، وهم الذين تنقلوا بين تأييد إيران وتأييد صدام، وكان رد الجميل للسعودية ودول الخليج علقمًا، فلم يحفظوا اليد التي امتدت ولا العون الذي استمر، ومع كل ذلك فإن السعودية ودول الخليج لم تمنّ يومًا بمواقفها وسياساتها وقراراتها ورؤيتها.

ما لا يريد الإقرار به بعض مثقفي وساسة الدول العربية للأسف، هو أن السعودية اليوم تقود العالم العربي، وتقود العالم الإسلامي وتقود المواقف باعتبارها رائدةً وقادرةً في المنطقة والعالم، والعاقل في الدول العربية والإسلامية ينحاز إليها لا ينحاز عنها، وقوة السعودية هي قوة للدول العربية وللشعوب العربية، وليس لها ولا لدول الخليج أي مطامع في أي بلدٍ عربي. إنها باختصارٍ تدعم استقرار الدول العربية.

تصدت السعودية للإرهاب مبكرًا، ومنذ 1990 وبعد غزو العراق للكويت كان القرار واضحًا بأن السعودية والكويت في مصيرٍ واحدٍ، وعادت الكويت وخذل صدام، وقامت في السعودية سوق للإرهاب والمزايدات نتج عنها اعتقالات وسجون، ولم تزل حرب السعودية على الإرهاب قائمة وتتطور.

ظهر حسن نصر الله في خطابه الأخير، مخذولاً ومهزوزًا، ونمرًا من ورقٍ، وهو ألح على أتباعه بمنع التظاهر إلا بإذنه، لأنه يخشى أن ينتعش في لبنان من جديد صراع التظاهرات، لأنه غير قادرٍ على الحشد والتنظيم، فغالب قياداته ومسؤوليه مشغولون في سوريا بقتل الشعب السوري، فإن استدعاهم سقط نظام بشار، وإن أبقاهم خسر معركة الشارع في لبنان.

دعمت السعودية ودول الخليج بعدما كان يعرف بالربيع العربي استقرار مملكة البحرين، ودعمت استعادة مصر من خاطفيها الراديكاليين الإسلاميين، واستنقذت السودان من فك إيران، وهي تعمل اليوم بكل قوةٍ للدفاع عن الدول العربية ومصالحها ومصالح شعوبها، ولا تعبأ بناكر جميلٍ ولا عميلٍ ولا خائن، والتذكير ينبه الغافل.

&

&