&&فهد الأحمري

&

هناك مقولة قديمة تقول حين يوجد شخص واحد فقط في العالم يوجد السلام، وحين يوجد شخصان فقط يوجد الصراع، وحين يوجد ثلاثة أشخاص يوجد التحالف. من هنا نجد أن التحالف هو ظاهرة قديمة قدم العصور التاريخية، وهو ظاهرة حتمية تقتضيها الظروف.

وقبل الإسلام كان هناك حلف الفضول بين قبائل من قريش، حيث تعاهدوا ألا يجدوا مظلوما في مكة إلا نصروه.

اليوم ونحن نشاهد التحالف الكبير (رعد الشمال) الذي كونته المملكة في وقت وجيز، وهو يختتم مناوراته، يشعرنا بالفخر والاعتزاز. وأينما وُجدت مناورة عسكرية وُجدت لها أهداف، إذ لا توجد مناورة عسكرية على وجه الأرض إلا وهي تحمل رسائل.

سجلت مناورة رعد الشمال رسالة أولى للعالم بأسره، وللقوى العظمى على وجه الخصوص، وذلك بعد ما رفعت أميركا يدها عن المنطقة، وأصبحت في وضع المشاهد المتفرج، كان لا بد من عمل، والعمل والحال هذه هو الاعتماد على النفس وربّ ضارة نافعة. أوباما على أعتاب الباب الخلفي لرئاسته، ولهذا لا يتمتع بشجاعة سياسية تجعله يقدم على مبادرة جسورة، ولا يريد توريط بلاده في حرب جديدة تجعله يودع البيت الأبيض مغضوبا عليه، تاركا الأمر للروس يصولون ويجولون على أمل أن يخلصوه من تنظيم داعش المزعج، وهو ما يخالف وجهة النظر السعودية التي ترى أن إيران وبشار الأسد وعملاءهما هم أساس الإرهاب في الشرق الأوسط ويجب التخلص منهم.

الرسالة الثانية كانت رسالة واضحة لكل من يحاول العبث بأمن المنطقة، سواء من إيران أو من عصابات التطرف والإرهاب المتواجدة على الساحة الآن أو حتى التي لم تخلق بعد. كان مفاد الرسالة بأن السعودية وهي تخوض حربها في اليمن لاستعادة الشرعية، قادرة كذلك على حماية مصالحها، ولديها أيضا الثقل العربي والإسلامي الهائل لاستقطاب التحالفات للوقوف في صفها وهي الحامية الأولى لبلاد الحرمين الشريفين.

الرسالة الثالثة جاءت من المشاركين أنفسهم تفيد بأنهم يقفون صفا واحدا لمواجهة التحديات والحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، وأن المملكة العربية السعودية ليست وحدها وستقف هذه الدول مجتمعة في وجه أي عدوان يهدد أمن وسلامة قبلة المسلمين.

أما الرسالة الرابعة فكانت موجهة لطمأنة الشعوب الخليجية والعربية والإسلامية على القوة المشتركة وسهولة تجمّعها في أرض واحدة تحت راية واحدة لحماية المنطقة والحفاظ على أمن شعوبها وحماية مصالحهم.

ومع ما سبق كله إلا أن المناورة ليست استعراضا للقوات العسكرية فحسب، بل هي مناورة تكتيكية، وبروفات حقيقية على أرض الواقع للتنسيق بين القوات المشاركة ورسم الإستراتيجيات العسكرية.

المعروف أن المملكة العربية السعودية ناجحة في قيادة التحالفات. فقد قادت تحالفات مصيرية منذ عملية درع الصحراء/ عاصفة الصحراء عام 1990، والذي أسفر عن تجمع قوامه 34 دولة بقوة بشرية تجاوزت 600 ألف عسكري لتحرير الكويت. وفي العام المنصرم قادت المملكة التحالف الثاني وهو تحالف عاصفة الحزم لإعادة الشرعية اليمنية بأكثر من 10 دول وتأييد عالمي واسع. واليوم ونحن نشاهد التحالف الثالث رعد الشمال الذي يعد نجاحا هائلا يضاف إلى نجاحات الدبلوماسية السعودية.

سجّل "رعد الشمال" فوائد مكتسبة عديدة من ضمنها الإشادة بجهود المملكة لإعادة روح العمل الجماعي وتعزيز مسيرة التحالف العربي الإسلامي المشترك. ومن فوائده الجوهرية رفع الحالة المعنوية للشعوب العربية في مواجهة الإحباط نتيجة الإخفاقات المتواصلة في تشكيل وحدة عربية ولو جزئية.

ولا نغفل الرهبة الحاصلة عند المنظمات الإرهابية والدول العدوانية، وقد شاهدنا تصريحات إيرانية مختلفة اللهجة عما كانت عليه على أثر "رعد الشمال" المبارك، وفي مشهد الاصطفاف العربي الإسلامي مع القيادة السعودية تتولد مشاعر الأسى والعزلة الإيرانية مجددا، وهو من مكتسبات الرعد الشمالي.

ختاما فإن المملكة العربية السعودية لديها طائرات في تركيا، وطلعات طيران مع التحالف الدولي ضد داعش، وجبهة في اليمن، ومواجهة داخلية مع التطرف، والآن تقود أضخم مناورات في شمال المملكة، أليست "رعد الشمال" رسالة بليغة تحمل في مضامينها الكثير والكثير؟