محمد عاكف جمال

هناك مفارقة ملفتة بين موقفين لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أولهما دعوته في التاسع من فبراير المنصرم لإجراء تغيير وزاري شامل وثانيهما تعهده في العشرين منه أمام مجلس النواب بإشراك قوات الحشد الشعبي بمعركة تحرير الموصل.

العبادي في موقفه الثاني يتناسى أولاً أحداثا ليست بعيدة كان شريكا في صنعها، فمعركتا تحرير مدينتي سنجار والرمادي قد استبعدت فيهما قوات هذا الحشد، ويتجاهل ثانيا إعلان مجلس محافظة نينوى وقوات البيشمركة الكردية والتحالف الدولي رفضهم لوجود قوات هذا الحشد في ساحة المعركة.

لن ندخل في التفاصيل الخاصة بالعلاقة بين هذين الموقفين، فالعبادي ربما يرى أن تعهده الذي يغازل فيه حلفاءه في التحالف الوطني الذي يتبنى الحشد الشعبي قد يشكل مدخلا للنجاح في دعوته لتغيير وزاري شامل.

قد يتبادر إلى الذهن أن الحكومة ليست جادة تماما في التعامل مع قضية تحرير الموصل سيما أنها لم تتخذ إجراءات ملموسة ضد عناصر الفساد في المؤسستين السياسية والعسكرية التي كانت وراء سقوط هذه المدينة بأيدي تنظيم داعش في التاسع من يونيو عام 2014 رغم انتهاء التحقيق فيها منذ أشهر عديدة، وأن التأخير باتخاذ قرار تحريرها يدخل في هذا الباب.

إلا أن ذلك لم يمنع هذا المسؤول أو ذاك، عراقيا أو أميركيا، عن إطلاق تصريحات حول البدء بمعركة تحرير الموصل من تنظيم داعش كان آخرها ما أعلنه مبعوث الرئيس الأميركي باراك أوباما للتحالف الدولي بريت ماكغورك في الخامس من مارس الجاري عن بدء العمليات العسكرية لتحرير مدينة الموصل العراقية..

وذلك من خلال قطع الطريق بينها وبين الرقة السورية. لكننا مع ذلك لم نسمع عن قيام معارك وسقوط ضحايا ولم نشاهد صورا أو فيديوهات توثق وتنقل لنا ما يدور في المعارك. فهناك عمليات قصف جوي تقوم بها قوات التحالف الدولي وعمليات نوعية تقوم بها قوات خاصة تابعة لهذا التحالف ضد مواقع مختارة لتنظيم داعش وهي على أية حال عمليات ليست جديدة.

في هذا السياق يأتي إعلان مبعوث الرئيس الأميريكي منسجما ومتكاملا مع ما أدلى به مدير الاستخبارات العسكرية الأميركية فنسنت ستيوارت أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي في التاسع من فبراير المنصرم من مطالعة أعرب فيها عن تشاؤمه إزاء إمكانية استعادة الموصل من سيطرة تنظيم داعش في الأجل القريب مشيرا إلى إمكانية بدء حملة لاستعادتها والقيام ببعض العمليات حولها فقط.

ولكن ذلك لن يقطع دابر التساؤلات الكثيرة التي تدور حول أسباب التأخير في بدء عملية تحرير الموصل على الرغم من أهميتها، فالحكومة قد عمدت في خططها العسكرية ضد تنظيم داعش على مدى يقرب من السنتين على التعامل مع أطراف وذيول هذا التنظيم تاركة الرأس، وهو الموصل، دون تصدٍّ حقيقي.

التأخر في البدء بمعركة تحرير الموصل يطرح تساؤلات حول أسباب ذلك، فهناك من ينسبه لعدم جهوزية القوات المسلحة بعد وهناك من ينسبه لخلافات سياسية وآخرون ينسبونه لخلافات ذات طابع عسكري تتعلق بالرؤى المختلفة لخوض المعركة.

لو اختبرنا الادعاء الأول لما وجدنا صعوبة في اكتشاف مدى ضعفه. فحسب التقديرات الأميركية لا يزيد عدد مقاتلي داعش في الموصل على خمسة آلاف مقاتل تراجعت معنوياتهم إلى حد كبير بعد الهزائم التي ذاقها التنظيم في سنجار وفي الرمادي وفي أماكن أخرى، مقابل الجيش العراقي الذي يبلغ تعداد القوات التي في الخدمة الفعلية الآن حوالي 300 ألف فرد ..

وهناك عدد مقارب من قوات الاحتياط إضافة إلى قوات البيشمركة والقوات الأخرى من أبناء المنطقة الذين دربتهم القوات الأميركية. ولدى هذا الجيش العراقي مئات الدبابات وما يزيد على الألفين من العجلات القتالية المدرعة إضافة إلى ما يزيد على المائتين من الطائرات المقاتلة والمروحية، هذا إضافة إلى الخبرات الثرية التي اكتسبها في التعامل مع الألغام والكمائن والمفخخات.

ولديه غطاء جوي فعال من قبل قوات التحالف كما أن لديه معلومات استخبارية دقيقة عن جميع ساحات المعركة ومتغيراتها توفرها له قوات التحالف الدولي التي ترصد المنطقة بدقة على مدار الساعة، وفوق هذا وذاك يمتلك شرعية وأخلاقية القيام بشن هذه الحرب. فالعراق وفق ذلك ليس بحاجة إلى قوات أخرى لتحرير الموصل سواء كانت هذه القوات عربية أو تركية.

السبب الرئيس وراء هذا التأخير هو أن القرار في ذلك بيد الولايات المتحدة التي تتزعم التحالف الدولي في الحرب على داعش فهي ترى بأن ظروف المعركة سياسيا وعسكريا لم تنضج بعد خاصة وأن الخلافات على أشدها بين الفرقاء العراقيين سواء فيما يتعلق بمعركة تحرير الموصل أو بغيرها.

فعلى سبيل المثال تلعب الخلافات الشديدة وفقدان الثقة بين المركز وإقليم كردستان الذي لا يمكن التقليل من أهميته في المعركة دورا هاما في تأخير المعركة. فالخلافات بين بغداد وأربيل قد انعكست بشكل سلبي على عملية التحرير حيث فشلت قيادة قوات نينوى بسببها من فتح مقر لها في موقع قريب من الموصل واكتفت بالتنسيق مع قوات البيشمركة عبر غرفتي عمليات مشتركة في أربيل وأخرى في مخمور.