&محمد خلفان الصوافي

تستوقفك، كمراقب، خطابات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، التي يوجهها إلى مواطني دولة الإمارات حين يلتقي بهم في أماكن ومناسبات مختلفة. ولعل أبرز ما يلفت النظر في تلك الخطابات أنه يجتمع فيها الحس الوطني مع الشخصية الكاريزمية لسموه، فتجد الاهتمام والمحافظة على مكاسب دولة الإمارات الداخلية والخارجية تتصدر حديثه، على اعتبار أن الذي حصل في هذه الدولة من مكانة إنما جاء بـ«إرادة الرجال»، وهي الجملة التي ركز عليها في لقائه مع مجندي الخدمة الوطنية في بداية هذا الشهر.

ففي الأسابيع الثلاثة الأخيرة كانت له ثلاثة خطابات كلها تحمل العديد من المعاني والرسائل الوطنية؛ الخطاب الأول كان مع مجندي الخدمة الوطنية، ويومها تحدث عن «إرادة الرجال» في بناء الدولة وطالبهم بألا يستهينوا بتلك الإرادة، كما ركز على أن الدفاع عن الإمارات «فرض». والخطاب الثاني كان في حفل توزيع جائزة أبوظبي عندما حذر سموه من ابتذال استخدام عبارة «نحن أبناء زايد»، لأنها واحدة من المفاهيم الوطنية الكبيرة في دولة الإمارات، وبالتالي ينبغي استخدامها في المكان والزمان والعمل الصحيح. أما الخطاب الثالث فكان أثناء تقديمه واجب العزاء يوم الجمعة الماضي لأسرة أحد شهداء الواجب حيث قال: أبناء الإمارات يصنعون بتضحياتهم تاريخاً جديداً للمنطقة.

إذا وضعت خطابات سموه في سياق المكانة العالمية التي وصلتها دولة الإمارات، فعندئذ يمكن للمراقب أن يلاحظ أنها تستهدف أمرين اثنين، الأمر الأول هو: تصحيح الإدراك العام لدى أبناء الإمارات حول التحديات التي واجهها «جيل المؤسسين» وما تواجهه الدولة اليوم من أفعال يرتكبها بعض الجهلاء والمتعصبين لتخريب الوعي العام، لذا فقد حذّر سموه من إساءة استخدام بعض العبارات الخالدة مثل «أبناء زايد».

الأمر الثاني أنه بات لدولة الإمارات صوت مؤثر في السياسة الدولية، وقد أصبحت موضع احترام الآخرين بعدما أدته من أدوار كبرى، وبالتالي فإن تصرفات مواطنيها لابد أن تكون محسوبة وحصيفة.

وفي الحقيقة، فإن دولة الإمارات كبرت بإرادة قادتها في زمن قصير. كما أنها حققت الكثير من المكاسب التنموية على مستوى العالم، وذلك نتيجة لمواقفها السياسية حين ساندت المجتمع الدولي في تحقيق السلم والأمن العالميين، كما أنه نتيجة حتمية لطريقة بناء الدولة وحضورها في المحافل العالمية، حتى بات الإنسان الإماراتي يتباهى بالانتماء إلى هذا البلد الحبيب.

دولة الإمارات لم تعد مشغولة بشؤونها الداخلية وعلاقاتها الثنائية فقط، كما كانت حتى عهد قريب، ولكنها أصبحت مشغولة بمحيطها الكبير وبالملفات المهمة وشديدة الحيوية، وهي معنية بما تفعله إيران في الدول العربية، ومنشغلة بكل ما من شأنه أن يحقق الاستقرار في العالم، حيث أصبح استقرار الدول العربية كلها من صميم عناصر الأمن القومي الإماراتي، وبالتالي فهي تعمل بالتعاون مع الدول العربية على تحقيق ذلك، بل الأهم من كل ذلك أن لديها قناعة بأن تعاون الدول العربية قادر على أن يملأ الفراغ السياسي والأمني في المنطقة.

الشيء المهم أنه إذا كان التعاون بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية قد وصل إلى مراحل بعيدة ساهمت في احتواء ملفات عربية كثيرة، كل واحد منها كفيل بأن يؤذي العالم العربي، بل ووصلت الدولتان إلى أن تكونا الأكثر تأثيراً في المنطقة، فإن ما تأمله الإمارات هو أن يشمل هذا التعاون كل الدول العربية حتى يتم سد الفراغات السياسية والأمنية التي سمحت للدول الأخرى أن تتدخل في الشأن العربي.

وعندما يتحدث سمو الشيخ محمد بن زايد عن الإمارات، فإنما يتحدث ليس باعتباره أحد قياداتها السياسية فقط، وإنما يتحدث كشخص محب وعاشق لهذه الدولة، لذا يكون حديثه نابعاً من ضمير الوطن. وعندما «يتمنى» سموه عدم إساءة استخدام المقولة الإماراتية الخالدة «أبناء زايد»، فذلك لإدراكه معنى المكانة التي وصلت إليها الإمارات بفضل تضحيات أبنائها حتى أصبحت اليوم «عوناً» للأشقاء والأصدقاء في العالم. فالإمارات اليوم موجودة في أغلب ملفات منطقة الشرق الأوسط المعقدة، وفي أفغانستان والعراق والبوسنة وغيرها من الأماكن في العالم.

خطابات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد هي بمنزلة تنشيط للذاكرة الإماراتية، وتذكير بأن بناء الدول يحتاج إلى أصحاب الهمم الكبيرة. فنحن أمام نقطة تحول كبرى من تاريخ المنطقة يشعر الجميع إزاءها بالقلق من تداعياتها، وبالتالي فإن استنفار الحس الوطني يعتبر، وقاية من أي عمل تخريبي.