&عاطف الغمري

في خضم موجة تقدم ترامب في السباق على الترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري، كان السؤال الملح، هو عن الأسباب التي دفعت الأغلبية من الجمهوريين في عدد من الولايات للتصويت له، بالرغم من وجود تيار من الكراهية له داخل الحزب الجمهوري، من قيادات وصفته بأنه اختطف الحزب، وبأنه لا ينتمي تنظيمياً إلى مؤسسة الحزب الجمهوري.

ومع ذلك بدأ ترامب وكأنه لا يتحرك نحو حسم السباق بنفس إيقاع حركة منافسيه، بل كان يقفز قفزات واسعة، جعلت من البحث عن إجابة للسؤال أشد إلحاحاً.

لم يقتصر رد الفعل المعبأ بالسخط على تقدم ترامب، على الأمريكيين، بل امتد بقوة إلى حلفائهم في أوروبا، مثلما قال رئيس وزراء فرنسا إن ترامب يشعل الكراهية، وإن لهجته تحرض على العنف. وأيضاً ما وصفته به مجلة «دير شبيغل» الألمانية بأنه أخطر رجل في العالم.

المختصون من علماء التاريخ والاجتماع وعلم النفس، راحوا ينقبون في خلايا العقل الاجتماعي والسياسي الأمريكي، عن الأسباب الكامنة في عمق التفكير الأمريكي المعاصر، والتي حركت موجة التأييد لترامب على هذا النحو. كثير من هذه الأسباب كانت على النحو التالي، على سبيل المثال:

المفكر شومسكي كتب أن صعود هتلر للسلطة في ألمانيا، حدث في فترة اضطراب اجتماعي ونفسي منحه تأييداً محموماً. وهي ظروف مماثلة لتلك التي قفز فيها ترامب إلى الأمام.

الكاتب ديفيد بروكس قال: الوضع الآن أن أمريكا دولة غاضبة وقلقة. والكثير من أبنائها فقدوا الثقة في قياداتهم.. ثم جاء ترامب يعزف على هذه النغمة، بعد أن وجد أنها تفيده كرجل من خارج المؤسسة السياسية التي تأتي منها القيادات التقليدية، والتي تؤهل لدخول البيت الأبيض.

الكاتب روجر كوهن وصف ترامب بأنه اختطف الحزب الجمهوري، ودفع به إلى خارج مساره الطبيعي، ممثلاً للتعصب والعنصرية. وأنه استولى على حالة موجودة من الرغبة في استعادة شيء ما مفقود، وهو يشتمل على القوة - والثقة بالنفس - وأنه حصد نتائج الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، التي خلقت خوفاً لدى الأمريكيين، لم يبارح النفوس للآن.

وفي ظروف شيوع الإحباط من رئيسين متتاليين هما جورج بوش، وأوباما، فقد راح ترامب يطلق صيحاته، ووعوده الغامضة عن تحقيق آمال للخلاص من تراث هذين الرئيسين، ومصوراً نفسه على أنه المنقذ المنتظر.

وأذكر أنني تابعت في واشنطن عام 1998، استطلاعاً في صفوف الرأي العام العادي - أو من يوصف اصطلاحاً برجل الشارع - كانت نتيجته إعلان أغلبية من شاركوا فيه، عن سخطهم إزاء سيطرة جماعات المصالح وقوى الضغط على صناعة القرار السياسي، وأن صناعة القرار لا تأخذ في اعتبارها رأي المواطن العادي.

لكن لوحظ أيضاً في استطلاعات ودراسات اجتماعية، أن الأمريكي قد يكون رافضاً لطريقة صناعة القرار، وهو يعرب عن رأيه هذا، ثم يلحقه بعبارة «هذه هي أمريكا»، أو This isAmerica تعبيراً عن استسلامه لما يقرره النظام السياسي، الذي وضعه الآباء المؤسسون للدولة.

لكن حدثت في السنوات الأخيرة تحولات في النظام العالمي، تنبئ - خارجياً - بانتهاء عصر الثورة العظمى الوحيدة، وأن العالم مقبل على عصر تعددية القوى الكبرى، - وداخلياً - بزيادة تناقضات قرارات البيت الأبيض، وشحوب الرؤية السياسية، وهو ما كان له تأثير في خلق حالة من الإعراض عن السياسيين التقليديين، بحيث قيل إن ترامب هو حصيلة تراكم تيارات بدأت تفكر في هذا الخيار، خلال السنوات الثلاثين الأخيرة.

هذه التيارات، ظهر وجودها من خلال ندوات، وكتابات منشورة، وهي تدعو لانتخاب أشخاص ليست لديهم خبرة بالسياسة، وهم الذين سموهم The Outsiders. أي من هم خارج المؤسسة السياسية والحزبية التقليدية. وهو تيار عرفت قياداته، بالتعصب، والنرجسية، وعدم الاعتراف بمن يختلف معهم في الرأي. ولهذا اتجه الناخبون المتأثرون بهم إلى إعطاء أصواتهم لترامب كمرشح غير مألوف في الحياة السياسية. ومن المعروف طبقاً لطبيعة النظام السياسي في الولايات المتحدة، أن النخبة السياسية المتخصصة، والخبيرة بشؤون الحكم والسياسة، هي التي تقف على قمة التأثير في صناعة القرار، وهي التي تنتج فكراً سياسياً، وبدائل تنفيذية للسياسة الخارجية، تتبناها مؤسسات الدولة، وكثيراً ما يأخذ الرئيس نفسه ببعضها في تطبيقاته لسياسته الخارجية.

ويبقى أن ترامب كان يحصد ثمار الغضب، والقلق، والإحباط، وليس حصاد رؤية سياسية ناضجة، ومكتملة، وعاقلة. أي أن التصويت له كان تعبيراً عن رد فعل، وليس عن فعل حقيقي وموضوعي.