&&حازم الرفاعي&
تتتابع اخبار السعودية في الصحافة الدولية. فمنذ بداية عامنا هذا 2016 ظهر حواران لولي ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان) ذى الثلاثين عاماً في مجلة الايكونوميست البريطانية في مطلع العام، ثم ظهر مؤخراً في مجلة بلومبرج الاسبوعية حوار وصف بأنه ملخص لساعات ثمان.
&وكانت الحوارات الإعلامية مقدمة لتبني المملكة رؤية شاملة جديدة أطلق عليها رؤية 2030 وهي باختصار إشارة إلي أن إعصار الأزمة الاقتصادية الدولية المستدامة قد وصل إلي شواطئ المجتمع السعودي، مما يستدعي إعادة هيكلته والسعي لضمان الهبوط الآمن للمملكة ككل. وقد وصفت الحوارات الصحفية الأمير الشاب الطموح الذي يربط مستقبله السياسي بشعار مثير تحول الي قرارات واجراءات اعلنت يوم 25 ابريل الحالي في رؤية 2030 هو «ترتيبات انتقال المملكة لعالم ما بعد النفط». هذا الشعار الطموح ارتبط في حوار الأمير بعنوان مثير ألا وهو تكوين (وديعة مالية سيادية سعودية) تتجاوز التريليونى دولار. وهذا المبلغ الهائل غير المسبوق في أسواق المال يمكنه من امتلاك عظام الشركات الرأسمالية من (آبل) (لأمازون) (لجوجل). واحتوت الحوارات غير الرسمية والتسريبات شبه الرسمية أفكاراً مثيرة للجدل تعتبر ضرورية لتكوين الوديعة الهائلة. فمن تلك الأفكار بيع جزء من شركة أرامكو السعودية الضخمة. والمطروح للبيع في الحقيقة هو بيع (النفط تحت الأرض). وذلك في ذاته مثير للجدل من ناحية تقييمه، ومن ناحية حقوق الأجيال القادمة. فالمطروح للبيع كأسهم دولية من شركة أرامكو هو 5% فقط أو هكذا هي المؤشرات الأولي. فكيف يمكن تقييم مخزون حقول النفط السعودية؟ وبأي سعر يمكن تقييم أسعار وحدة البيع ألا وهي سعر برميل النفط؟ فهل قيمته ستكون 20 دولاراً أم 100 دولار.
&تشهد المملكة السعودية تغيرات عميقة متوقعة ولا يمكن تجاهلها. فتعداد سكان المملكة وصل إلي ما يقارب الثلاثين مليونا مع غياب أي وعي أو تجرؤ علي الحديث عن تنظيم الأسرة مع معدل بطالة وصل الي 12%. ويحيا أغلب السكان في ثلاثة تجمعات ضخمة هي: الرياض والدمام وجدة، مع توكيد متزايد لهرم سكاني منحاز لصغار السن مع مايمثله هذا من مشاكل. فالجهاز الحكومي السعودي مثقل بالبطالة المقنعة ومخيب للآمال فهو أهم مركز للتعيين والوظائف لمئات الآلاف من شباب الجزيرة العربية والعديد منهم من الحاصلين علي منح تعليمية من أهم مراكز وجامعات العالم من كندا لبريطانيا والولايات المتحدة. ويعود أولئك إلي السعودية بعد الاطلاع علي عالم متحرك حر ديناميكي ليواجهوا مجتمعا متجمدا به فوارق طبقية واجتماعية هائلة. فالسعودية مجتمع يعتمد علي ريع النفط ولكن هذا ذاته يواجه تحديات هيكلية عميقة.
&وهذه التحديات ليست مرتبطة فقط بانخفاض سعر النفط من المائة دولار إلي الثلاثين، بل بأمر آخر. فالنفط وإن كان هو قلب الحضارة الإنسانية الحديثة منذ اكتشافه، إلا إنه ليس بالندرة التي أضفتها عليه تحزبات السياسة وشعاراتها . فمنذ عقود وصف (لينين) القائد الشيوعي الكبير الذهب بأنه معدن نادر، لكنه سخر من أهميته وحدد إن البشر ممكن أن يحصلوا عليه عندما وكيفما شاءوا ، بل إنهم لو أرادوا لصنعوا منه مراحيض الحمامات. هذا هو الوضع بالنسبة للنفط اليوم. فالنفط اليوم حقيقة جغرافية هائلة حول مصبات الأنهار وفي أعماق البحار وحول البحور والخلجان. حقول النفط والغاز امتدت منذ اكتشافه حول بحر قزوين لتضم الشرق الأوسط كله: من بلاد الرافدين لشواطئ الخليج للصحراء الليبية، لخليج المكسيك وسيبيريا والدلتا المصرية. وتوسع ضم النفط السطحي في الصحراء لنفط الصخور ثم ما هو قادم وهو نفط أعماق البحار والمحيطات. والأهم من النفط هو صناعة النفط ونموذجها السلعي وهامش أرباحها الهائل. فصناعة النفط كانت دوما صناعة أمريكية تتوسع بحماية السلاح وبسطوة السياسة، لكن ندرة النفط ذاتها تتراجع . وهكذا فإن اكتناز النفط كهدف امريكي صار أقل أهمية. والدليل هو ماحدث في عصر أوباما من التقرير ببيع ما يقارب من 10% من مخزون النفط الاستراتيجي الأمريكي.&
انتقل شعب الجزيرة العربية إلي حداثة معمارية واجتماعية خاصة، وظهر جيل جديد من شباب المملكة يتداخل مع العالم في الاستثمار والسياسة بحتمية فوائضها المالية الهائلة. جيل جديد اطلع علي صناعة النفط، واستوعب بالممارسة مكوناته وتداخلها مع السياسة الامريكية ورؤيتها الاستراتيجية للكون. جيل درس في أرقي المعاهد الأمريكية وتتلمذ علي أيادي اساتذة السياسة والاقتصاد الأمريكيين. ولكن السياسة ليست علماً حقيقاً بل هي العمل الاكاديمي والفكري لاعداد رجال ونساء تخدم مجتمعات بعينها ودول بعينها ومراكز صنع القرار في ازمنة محددة. مئات الخريجين من شباب السعودية النابه درس علي أيادي أساتذة عظام في الولايات المتحدة، أساتذة تشكل وعيهم من خلال مآسي شرق ووسط أوروبا قبل وأثناء وبعد الحربين العالميتين الأولي والثانية وإعادة تخطيط خرائطها، وهو ما انعكس علي رؤي كل الإدارات الأمريكية علي الشرق الأوسط رغم اختلافات المكونات التاريخية والاجتماعية. هؤلاء السعوديون الجدد المطلعون علي عالم واسع عميق متلاطم الأمواج هم من يتقدمون لقيادة المملكة اليوم.&
ولكن المرء لا يسعه إلا التساؤل: هل يستطيع هذا الجيل النابه أن يخرج من المعضلة السعودية الأسيرة بين الكعبة والدولار ، للبحث عن شعارات العروبة ومصالحها؟ فشعارات العروبة ليست شعارات سياسة وحسب ولكنها شعارات التداخل العرقي والثقافي والاستثمار في عالمك المباشر. تري هل تستطيع السعودية ان تخلق مجالا لـ 30 مليون انسان يعيشون بداخلها وسط طبيعة جغرافية لجزيرة العرب تتنافي مع حد الندرة الاستثمارية أم انهم يحتاجون الى رؤية تمتد من شمال افريقيا لبلاد الشام ومصر واعماق السودان وسواحل عمان فالجغرافية هي ما يصنع التاريخ بماضيه وحاضره ومستقبله.
التعليقات