&جهاد عودة
&&منذ عام2002 يعيش الشرق الأوسط موجة جيوبوليتيكية جديدة, وواحد من أهم رموزها هو بزوغ حزب العدالة والتنمية التركي, الذي تم تشكيله بقيادة رجب طيب أردوغان عمدة اسطنبول السابق, مع النواب المنشقين من حزب الفضيلة الإسلامي المنحل بقرار من محكمة الدستور التركية في2001, والذين كانوا يمثلون جناح المجددين في حزب الفضيلة.
وخاض حزب العدالة والتنمية الانتخابات التشريعية عام2002, وحصل علي363 نائبا مشكلا بذلك أغلبية ساحقة, ولكن أردوغان لم يستطع ترأس الحكومة بسبب تبعات قانونية نتيجة سجنه, فقام بتلك المهمة عبد الله جول, ثم تمكن أردوغان في مارس عام2003, من تولي رئاسة الحكومة بعد إسقاط الحكم عنه. اما أحمد داود أوغلو فالتحق بالحكومة, تولي منصب كبير مستشاري رئيس الوزراء, ثم كسفير متجول لبلاده في العام التالي, ومع بزوغ نجمه وتولي منصب وزير الخارجية, عام2009, ليبدأ مرحلة جديدة من الدبلوماسية التركية التي وضع لها هدفا اسماه صفر مشاكل مع الدول المجاورة للتفرغ لعملية البناء الاقتصادي. ويحظي كتاب أوغلو, العمق الاستراتيجي.. موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية, والذي كتبه عندما كان استاذا للعلوم السياسية, بأهمية خاصة, نظرا للدور الذي تلعبه أنقرة بالمنطقة. وبني أوغلو كتابه حول موقع تركيا وقدرتها علي نسج علاقات مع جوارها تكسبها قوة استراتيجية فقدتها طوال القرن العشرين, وتهتم هذه النظرة التركية في توجهاتها, وخصوصا تلك المتعلقة بالمنطقة العربية, بثلاث مسائل رئيسة: الأمن والاقتصاد والمياه. والأمن, من وجهة النظر التركية, لا يعني فقط مكافحة الإرهاب, أما المياه, فهي إحدي أهم الأوراق الرابحة في اليد التركية, خصوصا بعدما دخل تنفيذ مشروع جنوب شرقي الأناضول مرحلة حاسمة, ويتمثل في إنشاء22 سدا علي نهري دجلة والفرات, ويضع يد تركيا علي الموارد المائية الحيوية لسوريا والعراق, لتصبح المياه ورقة رابحة بالمنظور التركي, لأن المشروع يهدف لتصدير المياه إلي دول المنطقة, خاصة إسرائيل ودول الخليج.
أما الاقتصاد, الذي يخضع بدوره إلي مفهوم يربطه بجملة التطورات الممكنة والمتمحورة حول الترتيبات الإقليمية في المنطقة, في إطار تسوية الصراع العربي الإسرائيلي, فإنه تأكيد علي مقدرة تركيا علي دعم جميع المشروعات الاقتصادية المشتركة, وهو مشروع إمبريالي بامتياز. وهناك4 آثار جيوبلوتكية بعيدة المدي نتيجة لانصراف أغلو عن السياسية الخارجية والاستراتجية والحكومة التركية, أولها: خشية المسئولين الأمريكيين والأوروبيين, من أن التطورات الأخيرة في تركيا, وإطاحة أردوغان, بأوغلو, تقود أنقرة لحرب أهلية واسعة. وتعني استقالة أوغلو أن الغرب خسر مسئولا تركيا كان يتولي الوساطة بينهم وبين أردوغان, موضحين أن السبب الرئيسي وراء استقالة أوغلو هو السياسة المتشددة التي يتبعها أردوغان تجاه الأكراد, الذين يثيرون القلق في جنوب البلاد, لكن هذا قد يقود الوضع إلي التدهور والتحول إلي حرب أهلية.
ثانيها, اعتمدت تركيا التحالف العميق مع دول الخليج البترولية خلال النهوض بالاقتصادي التركي, فيما تصبو هذه الدول للخروج من اسر الاعتماد علي النفط, خاصة مع انتهاء دور منظمة أوبك كمنظمة موحدة كان بوسعها التحكم في أوضاع سوق البترول, والانقسام داخلها حول كيفية التعامل مع انخفاض أسعاره, بسبب التوتر بين السعودية وإيران. يذكر أن كلا من قطر وتركيا تتبنيان موقفا مشتركا حيال العديد من قضايا المنطقة, فالجانب القطري مع أنقرة بشأن ثورة30 يونيو لكن ضغوطا خليجية مورست ساهمت في تخفيف حدة الموقف القطري تجاه مصر. وبحسب تقرير مركز ستراتفور في يناير2013, فإن العامل أو الرابط الأكثر وضوحا في التقارب القطري التركي هو الطاقة; ثالثها, تشهد السياسة التركية اقترابا مضطردا باتجاه إسرائيل, بدأ يأخذ في الآونة الأخيرة منحي متسارعا, للعودة التدريجية للعلاقات بين تل أبيب وأنقرة, والتدرج هدفه امتصاص أي غضب عربي أو إسلامي قد ينجم عن هذا التقارب, الذي تمثلت بعض مظاهره في رفع أنقرة الفيتو الذي كانت تفرضه علي مشاركة إسرائيل في التمارين العسكرية التي يجريها حلف الناتو, وتهدف أنقرة من تطوير علاقاتها بإسرائيل, إلي تحقيق الاندماج الكامل في الناتو الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية, خاصة أن تركيا فقدت أغلب حلفائها في المنطقة, نتيجة الخلافات مع, مصر وإيران وبعض دول الخليج. وشهدت العلاقة بين تركيا الأردوغانية, وطهران تحولا شبه جذري ماقبل الثورة السورية ومابعدها, بسبب تضارب السياسات بين الطرفين حول اليمن وقبله سوريا والعراق ما وضع نهاية لعقد من التواصل العميق بين تركيا وإيران ووضع القيود علي تنمية علاقات في المستقبل. ومع ذلك تم احتواء آثار هذا التضارب, فلم يحصل أي تبادل للاتهامات حول دوافع كل منهما في اليمن كما حدث في الحالة السورية من قبل. في هذه البيئة من التعقيد الجيوبلوتكي البالغ الحساسية ظهرت ضرورة صرف احمد أوغلو من جانب الرئيس أوردغان من قيادة عجلة التخطيط الجيوبلوتكي, وتركيا بعد أوغلو ستكون جد مختلفة, وفي ضوء انصرافه من المرجح أن يهتز أداء مفهوم العمق الاستراتيجي ويتغير بشكل واضح.
التعليقات