&محمد خليفة

ارتبطت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ قيامها بعلاقات أخوية متينة مع شقيقاتها من الدول الخليجية والعربية، خاصة الجارة الأعز المملكة العربية السعودية، وقد أثمرت هذه العلاقات المتينة اتفاقيات مهمة كثيرة وكبيرة، ذات طابع اقتصادي وجغرافي وحدودي مميز، فضلاً عن العلاقة الاجتماعية التي تربط الشعبين، وتنسجم مع تداخلات العوائل والأسر والقبائل.

ومن يتابع مواقف البلدين تجاه العديد من القضايا العالمية والإقليمية، يجد تطابقاً كبيراً في قرارات البلدين؛ خاصة تجاه ما تتعرض له المنطقة العربية من أخطار كبيرة، وقد تميزت العلاقات بين الدولتين بالمتانة والرسوخ والنديّة والاحترام المتبادل، والحرص على المصالح المشتركة، وتتشاطر الدولتان الكثير من الهموم والآمال في بيت الأسرة الخليجية الواحد، ولذلك كان لا بد من تعاونهما معاً من أجل بناء استراتيجية موحدة؛ لمواجهة تلك الأخطار، من منطلق الوعي بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقيهما، وما تنتظره منهما الشعوب العربية، من دور فاعل في التصدي لما يعترض المنطقة من تهديدات تستهدف أمنها واستقرارها ووحدة دولها وتعايش شعوبها.

وقد حرصت قيادتا الدولتين على التلاقي بشكل مستمر من أجل الحفاظ على نهج ومضمون هذه العلاقة، وبما يوفر لها المزيد من عناصر الاستقرار الضرورية. وكانت الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى المملكة العربية السعودية في 16 مايو/أيار 2016، تعبيراً عن الحرص على تنسيق المواقف، وتبادل الرؤى بين القيادتين في الدولتين الشقيقتين، فقد التقى سموه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وجرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الأخوية الوطيدة بين البلدين الشقيقين، وأوجه التعاون الثنائي في مختلف المجالات، إضافة إلى بحث مستجدات الأحداث الإقليمية والدولية. كما تم إطلاق مجلس التنسيق الإماراتي- السعودي، ووقع الاتفاق من جانب دولة الإمارات علي الشامسي الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن الوطني، الذي يعدّ لبنة إضافية لصرح العلاقة بين الشقيقتين، ولتدخل به العلاقات الثنائية بين الدولتين طوراً استراتيجياً يقوم على آلية واضحة للدفع بها إلى مستويات أعلى، وآفاق أرحب، وبما يقوي من دعائم الصمود والثبات في الأمة العربية.

فقد أدركت الدولتان أن هذه المرحلة هي أخطر المراحل في تاريخ هذه الأمة الطويل، لأن ثمة مشاريع عدّة تستهدف وجودها، وكل منها أخطر من الآخر، ففي القلب من هذه الأمة هناك المشروع الصهيوني الذي لا يخفي أطماعه، كما برزت بعض الدول الإقليمية الباحثة عن حطام إمبراطوريتها على الأرض العربية، وهي لا تخفي أيضاً أطماعها وتدخلاتها في الشؤون الداخلية لهذه الدولة العربية، أو تلك، كما تم إيقاظ روح الإثنية والمذهبية والجهوية والقبلية لدى الشعوب العربية، وهناك دول عربية عدة مهددة بالتفكك والضياع جراء تلك النزعات، التي إن قُدر لها التحقق على أرض الواقع فإنها ستنسف المشروع العربي إلى الأبد.

ونظراً لما تملكه دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من قوة وحضور كبير على مستوى المنطقة، فإن تلاقيهما وتنسيقهما على مختلف المستويات عبر مجلس التنسيق المشترك، سيكون خطوة مهمة، ورسالة لمن يهمه الأمر، في المنطقة والعالم، فما يطال أبوظبي يطال الرياض، والعكس صحيح، ومن المتوقع أن يسعى المجلس الجديد للتصدي السريع والحاسم لمختلف مشكلات المنطقة، وفق رؤية واحدة لكلا الدولتين، تتجسد من خلالها التطلعات العربية نحو مستقبل مشرق، من أجل العمل على إطفاء الحرائق في العراق وسوريا وليبيا، والاستمرار في دعم مصر، مع الإصرار على مكافحة التطرف والإرهاب، بجميع أشكاله ومسميّاته، كل ذلك سيكون من مهام هذا المجلس.

إن للمحن، رغم قبحها، مِنحاً كثيرة؛ فهي تشكل اختباراً حقيقياً لمعادن البشر، وتميز الأصدقاء من الأعداء، وقد كانت الشدائد النازلة بهذه الأمة أفضل اختبار لرجالها، حيث برزت الرجولة الحقيقية، والمواقف الصافية النقية في كل من الإمارات والسعودية، وتجلى ذلك عبر عملية «عاصفة الحزم» التي اختلط فيها دم الشهداء في الدولتين مع دماء الشعب اليمني؛ من أجل إنقاذ اليمن من الضياع، والتفكك، والفوضى، والحروب الأهلية المستمرة. ولعل النجاح الأهم هو أن الدولتين رسّختا أسس تعاونهما الاستراتيجي الدائم؛ لتكونا يداً واحدة في مواجهة التحديات والأخطار. وسوف يكون هذا التعاون صمام الأمان لمنطقة الخليج والأمة العربية. كما أنه سيشكل نواة لاتحاد عربي حقيقي، وسوف يستقطب إليه دولاً عربية أخرى؛ لتتسع الدائرة، وتتعاظم الأهداف وفق رؤية وخطط عملية واحدة.

إن ما يحمد لهذا العصر هو أنه كشف لنا عن قيادة حكيمة واعية تملك رؤية ثاقبة، تقود دولة الإمارات نحو قدرها اللائق بها، ليكمل الخلف ما شاده السلف، ويُعلي البناء مستلهماً تاريخ وحضارة هذا الشعب الأصيل، الذي آمن بقيادته التي تعمل بإخلاص لتحويل الأماني إلى واقع حقيقي، وهي ماضية في عطائها حتى النهاية، لتزهر براعم الحضارة في مشرقنا العربي من جديد.