بيروت - ناجية الحصري: كثيرة هي الشهادات التي تروى عن وطأة الحياة في ظل «داعش» في سورية والعراق، لكن فظائعها تفوق القدرة على التصديق. والإعلامية العراقية هبة نزار (عنود) الموصلية، التي وصلت إلى بيروت للمشاركة في ندوة عن «مستقبل الموصل» بتنظيم من مركز كارنيغي للشرق الأوسط والجامعة الأميركية في دهوك - كردستان، واحدة من الشهود الذين تمكنوا من الفرار من حكم «داعش» إلى خارج العراق ولا يزال مجرد استرجاع التجربة يعيدها إلى دائرة الرعب.
تقول هبة أنها قررت الموت هرباً، دفعت في كل محطة رشاوى بين 600 و1200 دولار للهروب مع شبكات عناصرها من «داعش» وسوريين. رحلة قادتها مع نسوة حافيات أدمى الشوك أقدامهن من دون أن يتجرأن على الأنين كي لا ترصدهم الميليشيات. من الموصل قادوها منقبة إلى البقاج ومن ثم إلى الطريق الترابي قرب الجزيرة، وصولاً إلى الحسكة، ومن هناك تولى سوريان عملية التهريب وبدلت هبة وأخريات لهجتهن العراقية باللهجة السورية وأصبحت هبة تسمى عنود وانتقل الجميع إلى الرقة لـ3 أيام ومنها عبر خربة الجوز التي يسيطر عليها «الجيش الحر» و»جبهة النصرة» وصولاً إلى المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد وعبر منطقة أكاليل إلى أربيل.
بين الدمعة والأخرى والكثير من الأسئلة عن سبب اختيار «خوارج العصر الإرهابيين» مدينتها لاحتلالها. لا تزال تذكر 9 حزيران (يونيو) 2014 بدقة، يوم قُصفت الموصل بشراسة واقتحمت بسهولة من دون مقاومة. الموصل كانت تعاني، من «فساد أمني» أكثر من تراجع الخدمات. ضباط كثر يقبضون رواتبهم ولا يداومون، والموصل معروفة أنها مدينة الألف ضابط والأفضل أمنياً. قالت إن الأمن كان ساقطاً من قبل رئيس الوزراء العراقي في حينه نوري المالكي، ما أوجد حالاً من النقمة الطائفية، وكان يكفي قناص واحد «داعش» ليسيطر على الحركة ويمهد للاستيلاء على المدينة.
وكشف احتلال التنظيم الموصل عن «بيئة مرحبة له من قبل عائلات، خصوصاً أن التنظيم قدم نفسه على أنه حامل لواء ثورة العشائر، وكان بين المتقدمين بقايا حزب البعث وعشائر. وحين استقر التنظيم في المدينة بدأنا نسمع بأن هذا الشخص» أمير في التنظيم وذاك أيضاً». على أن لقب أمير كان يمنح لـ»شهداء» التنظيم، ويطلقون اللقب على أولاده ما يجعلهم يفخرون به ويوالون التنظيم.
القصف كان شديداً ورافقته غيوم سوداء ملبدة، واستمر من عصر الخميس حتى فجر الأحد حين حل هدوء مريب، هدوء الصدمة التي أصابت الجميع. نودي على الموظفين من مئذنة المسجد للتقدم «لأخذ التوبة» لكنها كانت فخاً. قتلوا موظفين حكوميين وصحافيين وأساتذة اللغة الإنكليزية وأطباء وشيعة مع أن بعضهم كان يحمل «شارة التوبة»، وكانوا مهدوا لاقتحام المدينة بعمليات اغتيال سابقة على مدى أشهر. قتلوا مديرين في محطة «سما» واثق ممدوح الغضنفري وزميلتي نورس النعيمي، وكنت أنا من المطلوبين. وكان ثمن بقائي متخفية في الموصل أن أشاع أهلي أنني هربت إلى أربيل، ولم أخرج من المنزل إلا مرات قليلة جداً بدافع المرض مثلاً لقصد الطبيبة. وساعدني النقاب في ذلك، إلا أن عدم تغطية عيني كاد أن يتسبب لي بضرب من «داعشي» لاحقني في الشارع رفع عصا غليظة وكاد ينهال علي بالضرب وكان يخاطبني بلهجة عربية فصحى.
وتتحدث عن مشاهدتها لأفغان وتوانسة وسود وأوروبيين وقلة عراقية وسورية إضافة إلى مشاهدتها لـ»نساء جميلات الوجه وكأنهن أوروبيات».
تذكر هبة أنها اتصلت بزميلة لها مسيحية ونصحتها بمغادرة الموصل على الفور، لكن الأخيرة بدت غير مصدقة أن «داعش» قد يلحقون بالمسيحيين الضرر خصوصاً أنهم من طبقة غنية ومثقفة ومحترمة ويعتبرون أسياداً في المدينة. وتقول هبة إن الهدف الأول لـ»داعش» كان المسيحيين، هجروهم من منازلهم واحتلوها لجمالها ولاعتقادهم أن من يسكنها يصبح من الأسياد، وحولوا الكنائس إلى معتقلات. قالت إن أحد أقاربها يسكن بالقرب من كنيسة لا يستطيع النوم من صراخ النساء المعذبات بسبب الجلد ولأتفه الأسباب. فإقدام امرأة على تنظيف الحوش المحيط بالمنزل يعرضها لعقوبة الجلد أو التوقيف ويؤمر زوجها بتطليقها ويأخذونها لتأديبها ولا نعرف ماذا يفعلون بها. وتشير إلى أنه في كل يوم يخترعون فتوى جديدة لتصفية الناس.
وتشير هبة إلى أن الفقراء التجأوا إلى «داعش» وإذا مات أحدهم يرسلون إلى عائلته برميل نفط كتعزية. وحين يشكو الناس من الجوع، يردون عليهم أنكم لم تجربوا بعد «شد الحجر على البطن». وكذبة كبيرة إشاعة أن لـ»داعش» نقوداً خاصة به. هم يتعاملون بالعملة العراقية ويفتون بدفع الزكاة وقد يأخذون ماشية بدلاً من المال.
التعليقات