&حسناء القنيعير

ذكرت في القسم الأول من هذا المقال أن الأمم المتحدة أقرت اتفاقية تقضي بمنع جرائم الإبادة الجماعية، ومعاقبة مرتكبيها في 9 ديسمبر1948. واعتبرت هذه الاتفاقية "الإبادة الجماعية" جريمة دولية تتعهد الدول الموقعة عليها بمنعها ومعاقبة من يرتكبها.

وتعد الجرائم ضد الإنسانية -حسب القانون الدولي- أخطر الجرائم لأنها تستهدف الإنسان؛ بالقتل العمد، والاسترقاق، والإبعاد، والنقل القسري للسكان دون مبرر، والتعذيب والاغتصاب أو الاستعباد الجنسي، وغيرها من الجرائم التي ترتكب ضد السكان المدنيين. سواء ارتكبت هذه الافعال قبل الحرب أم خلالها، علاوة على الاضطهاد لأسباب سياسية أو عرقية أو دينية.

وحيث يكتظ التاريخ الحديث بحكام طغاة مارسوا قمعاً وعنفاً وحروب إبادة ضد شعوبهم، وضد آخرين، فلهذا جرت محاكمات بعض أولئك الرؤساء الطغاة أو الميليشيات الإرهابية، بعضها بضغط من المجتمع الدولي والأمم المتحدة تحديداً، وبعضها الآخر بأيدي ثوار شعوبهم.

فأنشئت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا بعد المجازر التي قتل فيها نحو 800.000 شخص ينتمي معظمهم إلى أقلية فيها، اثر الصراع العرقي الذي امتد ليشمل دولاً إفريقية أخرى. وبعد محاولات الاتحاد الإفريقي للحد من الانتهاكات، واستمرار المذابح وأعمال القتل المتعمد، أصدر مجلس الأمن قرارا في 8/11/1994 يتضمن إنشاء محكمة جنائية دولية بناء على طلب حكومة رواندا، مهمتها محاكمة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة فيها وفي الدول المجاورة.

وبعدها أنشئت المحكمة الخاصة بسيراليون، وهي هيئة قضائية أنشأتها حكومة سيراليون بالاتفاق مع الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1315 لسنة 2000، بهدف الملاحقة القضائية للأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في سيراليون، وفي 26 أبريل 2012 أدانت المحكمة تشارلز تايلور رئيس ليبيريا السابق بإحدى عشرة تهمة بينها التواطؤ في جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية منها القتل والاغتصاب، وتجنيد الأطفال أثناء الحرب الأهلية التي راح ضحيتها ما يقرب من 50000 مواطن!

وبعد محاكمة استمرت خمس سنوات؛ حكم عليه بالسجن 50 عاماً، وكانت هذه أول إدانة لرئيس دولة سابق في محكمة دولية بعد محكمة نورنبيرغ.

ومن أهم المحاكمات الدولية محاكمة الشيطان سلوبودان ميلوسوفيتش -كما لقبه معارضوه- رئيس يوغسلافيا السابق -حكم في الفترة بين عامي 1989-1997- الذي شنّ حرب تطهير عرقي ضد مسلمي صربيا والبوسنة وكروايتا، بمذبحة سربرينتشا 1995 التي راح ضحيتها ما يقرب من 8000 مسلم. وفي عام 2001 مثل أمام محكمة جرائم الحرب التابعة للولايات المتحدة في لاهاي بهولندا، وخلال المحاكمة تحديداً في الحادي عشر من مارس عام 2006 وجد ميتاً في السجن قبل إصدار حكم نهائي عليه!

كذلك محاكمة الديكتاتور الروماني تشاوشيسكو التي تعد من أشهر المحاكمات التي جرت في تاريخ أوروبا الحديث، تولى تشاوشيسكو حكم رومانيا عام 1974 -1989، عاش الشعب طوال هذه السنوات في فقر شديد، وقمع وانتهاكات، انتهت فترة حكمه بثورة شعبية أسقطت نظامه وحوكم عسكرياً بتهمة قتل متظاهري الثورة، وتدمير اقتصاد رومانيا، ونفذ الحكم في 25 ديسمبر 1989 عليه هو وزوجته رمياً بالرصاص.

وكان أوجيستو بينوشيه الذى حكم تشيلي بين عامى 1973 و1990 مثله مثل أي حاكم عسكري طاغ ومستبد، وجهت إليه تهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق شعبه، واعتقل عام 2002، لكن وافته المنية فى سجنه في10 ديسمبر 2006 بعد أسبوع من إخضاعه لجراحة عاجلة.

وكنت تساءلت: هل يشكنّ أحد في أنّ ما يحدث للعرب السنة في سورية والعراق -من تعاون عسكري ممنهج من قوى معادية للعرب تتمثل في إيران وروسيا وتواطؤ أميركي، مع ما يصاحب تلك الحرب من صمت شعبي عربي ودولي مريب- حرب إبادة بكل المقاييس، تهدف إلى القضاء على العنصر العربي السني؟

وهنا يحق للمتابع أن يتساءل أيضاً كيف تغض الأمم المتحدة عيونها وتصم آذانها التي يتباكي أمينها العام بان كي مون على الإيزيديين في العراق وعلى أطفال اليمن باتهام قوى التحالف العربي، متجاهلاً جرائم الحوثيين ضدهم، ذلك المسؤول الأممي لا يرف له جفن إزاء جرائم الإبادة في سورية وبعض مناطق العراق، هذا التواطؤ الخبيث بينه وأباما والملالي وبوتين، جعل ضحاياهم من العرب السنة كالأيتام على موائد اللئام، فلا بواكي لهم!

وحسب أحد التقارير عن الحرب في سورية التي يشنها الإرهابي بشار والملالي وبوتين، فقد بلغ عدد الضحايا أربع مئة وسبعين ألف شخص، والمصابين مليونا وتسع مئة ألف مصاب، واللاجئين أكثر من أربعة ملايين لاجئ، والنازحين سبعة ملايين نازح، ويقدر عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة يومية نحو ثلاثة عشر مليونا، في الوقت الذي بلغ فيه عدد العاطلين عن العمل أربعة من كل خمسة أشخاص.

أمّا في الفلوجة فقد أقرّ رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بارتكاب الجيش العراقي ومليشيات الحشد الشعبي الشيعية المتحالفة معه، انتهاكات بينها القتل، بحق الأهالي المدنيين، خلال مشاركتهم في الحملة العسكرية.

وبحسب منسقة العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في العراق، فرّ أكثر من عشرين ألف شخص من المدينة في أوضاع بالغة الصعوبة، إذ تعين عليهم السير لأيام، ومواجهة تنظيم "الدولة"؛ للوصول لمناطق تسيطر عليها القوات الحكومية، يقول معارضون عراقيون وخبراء سياسيون عرب ودوليون إنّ لمشاركة إيران في الحرب ضدّ داعش في العراق وجهاً بالغ السلبية، يتمثّل في إذكاء النوازع الطائفية والانتقامية في البلد الذي يشهد تفكّكاً متزايداً لوحدته الوطنية.

واتهمت منظمة أوروبية النظام الإيراني بالتذرع بتنظيم داعش لتنفيذ عمليات تطهير عرقي ضد العراقيين السنة، ودعت إلى حل للميليشيات العراقية التي تقودها إيران، واعتبار التدخل الإيراني في شؤون العراق أمرًا محظورًا، مؤكدة أن السياسة الغربية في العراق تساعد وتحرض على قتل الأبرياء في الفلوجة!

وكان تقرير للخارجية الأميركية للإرهاب الدولي للعام 2015، صنف إيران بأنها أكبر راعٍ للإرهاب في العالم، وذلك لـتدخلاتها ودعمها للعنف والإرهاب في سورية والعراق، وضلوعها في أعمال العنف في البحرين، وزعزعة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط من خلال فيلق القدس التابع للحرس الثوري وحزب الله اللبناني. وأنها ما تزال تقدم السلاح والدعم المالي لجماعات إرهابية مثل حزب الله اللبناني، و الميليشيات الشيعية الإرهابية في العراق واليمن والكويت والبحرين.

وعلى الرغم من هذا التقرير، فإن أوباما يتجاهل تجاهلاً تاماً الدور الإيراني المدمر في المنطقة، بل يصرّ على أنه اتخذ القرار الصائب عندما امتنع عن أي خطوات عسكرية ردّا على لجوء النظام السوري في حربه على شعبه إلى السلاح الكيميائي صيف العام 2013..لكنه تغاضى عن استعمال النظام البراميل المتفجّرة. ولمّا لم توقف البراميل و"داعش" والميليشيات المذهبية الموالية لإيران الثورة السورية، تدخّلت روسيا مباشرة. فكل ما يشغل أوباما هو استمرار الحرب على الشعب السوري، ومتابعة عملية تفتيت البلد، واستنزاف الدول التي تدعم الثوار، ألا يؤكد هذا تواطؤ أوباما مع إيران ضد العرب السنة تحديداً؟ ثم ألا يكون موقفه هذا مدعاة للادعاء عليه كمجرم حرب، مثله مثل بشار وبوتين والملالي وعصاباتهم؟

وكانت صحيفة الغارديان قد انفردت في شكل حصري بنشر تقرير عن نجاح فريق سوري في جمع وثائق على مدى ثلاث سنوات لتوجيه اتهامات لبشار الأسد ومعاونيه من ملالي إيران وأذنابهم، وأشارت إلى أن هذه الأدلة قدمت إلى لجنة العدالة والمساءلة الدولية التي تضم محققين وخبراء قانونيين، عملوا سابقاً في محاكم تعنى بجرائم حرب في يوغوسلافيا السابقة وراوندا، كما قدمتها إلى محكمة الجنايات الدولية.

لكننا لن نتفاءل بنجاح هذه الخطوة؛ لأن روسيا استخدمت في وقت سابق حق النقض (الفيتو) ضد مشروع إحالة التحقيقات حول نظام بشار الأسد إلى محكمة الجنايات الدولية.

ما يحدث في سورية جرائم ضد الإنسانية التي تتمثل في أهل السنّة بصفتهم الأغلبية الساحقة من السكان، موثقة من قبل المراقبين الدوليين والجامعة العربية والأمم المتحدة، لكن ذلك ليس بالجديد، فالسنة العرب يتعرّضون للتهجير والإبادة الطائفية منذ الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003، والمجتمع الدولي صامت صمت القبور. "لكنه بمجرد أن تناولت وسائل الإعلام بطريقة مشبوهة ما يحدث مع الإيزيديين والمسيحيين في العراق، تحرّك هذا العالم بازدواجية مقيتة تسيء كثيراً للقانون والشرعية الدولية والمواثيق الأممية التي صادقت عليها معظم دول العالم"!

ختاما لا بدّ من تقديم شكوى ضد بشار وبوتين ونظام ولاية الفقيه وحسن نصر الشيطان وقادة الحشد الشعبي، إلى محكمة الجنايات الدولية بوصفهم مجرمي حرب، وإبادة وتطهير عرقي تجاه العرب السنة في سورية والعراق، ويجب أن تقوم الجامعة العربية بمسؤولياتها تجاه العرب السنة في هذا الأمر، وألّا تكتفي ببيانات الشجب والاستنكار وإبداء القلق، تلك التي لا تسمن ولا تغني من جوع.