&خليل علي حيدر

من أغرقنا في بحر الكراهية والاتهامات والنفور في دول الغرب؟ ومن المسؤول عن عزلنا عن المجتمع الدولي والبلدان المتقدمة وإحياء كل هذه المخاوف ضدنا؟ هل بأيدينا حقاً دمرنا مستقبلنا مع حاضرنا؟ وإذا كنّا فعلنا فمن المسؤول، ومن خدعنا؟

هذه الثقة العمياء التي وضعتها بعض الحكومات، وصفوف عريضة من عامة الجماهير بالإسلام السياسي والجماعات الدينية سنين طويلة، من الكويت إلى المغرب، ومن السودان ومصر إلى سوريا والأردن وفلسطين، ومن العراق ولبنان إلى إيران وباكستان وإندونيسيا.. وإلى الجاليات الإسلامية في أوروبا وأميركا.. واليوم انظر ماذا جنينا!

كلنا في العالم العربي والدول الإسلامية تناوبنا «الرقود على بيض الثعابين»، و«صغار الغيلان» بكل حسن نية ولأهداف مختلفة. وها نحن اليوم نلدغ من جماعاته وتنظيماته ومتفجراته من كل مكان.

يشتكي العرب والمسلمون من «الإسلاموفوبيا»، فكيف بدأت هذه الظاهرة؟ ولماذا انتقل الغرب من الترحيب بالعرب والمسلمين والتسامح معهم ومع مساجدهم ومؤسساتهم وأحيائهم، إلى تصاعد كل هذه النداءات ومظاهر الاستهجان ضدهم؟

الإسلام السياسي بأحزابه هو الذي ولد وأنتج «الإسلاموفوبيا»، هو الذي زرع التشدد الديني في المهاجرين، وقام بغسل أدمغة الشباب، والتسلط على حرية المرأة، وهو الذي قسم شعوب العالم إلى كفار ومسلمين، ونصب فسطاطاً لكل فريق!

الإسلام السياسي وبخاصة «الإخوان المسلمين»، وضع أسس كراهية المسيحية والغرب ومعاداة الآخر، في العالم العربي، وهو الذي ألَّف الكتب والرسائل ودبج الخطب وألقى المحاضرات في أوروبا نفسها ضد «النصرانية» و«المؤامرات والمخططات الصليبية» و«الغزو الثقافي» و«التغريب»، وهو الذي استغاث: «حصوننا في خطر»، «أجيالنا الجديدة مهددة»، «الحضارة المادية الغربية تكتسحنا»، «التحلل الأخلاقي يأخذ بخناقنا وتلابيبنا»! وهو الذي أجهض كل محاولات التحديث والتطوير، على امتداد القرن العشرين وحتى.. الربيع العربي!

كان يمكن للعرب والمسلمين أن ينهضوا، وأن تكون إيران مثل كوريا الجنوبية ومصر كاليابان وإندونيسيا كالصين، ولكن التعبئة الدينية السياسية وإثارة كل هذه المخاوف على الهوية والخصوصيات، أجهضت في النهاية كل محاولات التغيير.

الإسلام السياسي تلاعب بالمناهج التربوية وأغرقها بمواد لا علاقة لها بأي تعليم عصري ناجح مُنتِج، وزرع في الثقافة السائدة وفي عقول المواطنين منظومة فيروسات، وعلى رأسها «الغربفوبيا»، كبّلت الفكر العربي والإسلامي سنين طويلة، بخيوط وحبال وسلاسل لن نتحرر منها بسهولة، كيف يمكن أن نجدد ثقافتنا السياسية والاجتماعية؟ كيف يمكن أن نجدد مناهجنا التعليمية ونعصرن مدارسنا ونربط التعليم باقتصاد حديث، إن كانت الثقافة المهيمنة على المنزل والمسجد والمدرسة والجامعة تعادي الحداثة وتحارب العلم، وتفرز مع كل مرحلة المزيد من التزمت والجماعات المتعصبة والأفكار المتشددة والطائفية التي تغرق كل محاولات النهوض؟

كانت الجاليات العربية والإسلامية تعيش في الغرب بمعزل عنا نسبياً، واليوم مع تقدم الاتصالات والمواصلات وقنوات الإعلام.. باتت تعيش بيننا!

وكان تهجمنا على «الحضارة الغربية» و«الثقافة المادية» مجرد كتب وخطب ومقالات. واليوم تستقطب جماعات الإرهاب بيننا، الكثير من الشباب والشابات العرب والمسلمين، بل ومن يدخل معهم في علاقات الصداقة والزواج والدعوة من الغربيين كذلك، إلى جماعات إرهابية تقتل وتفجر في البلدان الأوروبية وفي المدن والأرياف العربية وتغتال وتصفي يمنة ويسرة!

لماذا لا ينتشر الإرهاب والتطرف وتسييس الدين وإنشاء الجماعات الإرهابية.. إلا بيننا؟ ولماذا لا يناقش إعلامنا في الدول العربية والإسلامية هذه الظواهر نقاشاً حراً بعيداً عن المجاملات والحسابات السياسية؟ ولماذا كلما تداعى المخلصون إلى عقد المؤتمرات الإسلامية لمخاطبة شعوبنا وشعوب العالم هيمنت الحسابات نفسها وتعثر الجهد وغابت المصارحة؟

في ألمانيا، تقول الصحف: «العداء للإسلام حل في السنوات العشر الأخيرة محل العداء لليهود»! السياسيون هناك باتوا يصرحون ويصرخون: «إن أوروبا لا يمكن أن تصبح ملجأ لملايين الناس الذين شردتهم الحروب، لا ينبغي أن نوقظ في المواطن وفي اللاجئ آمالاً كاذبة».

وفي أماكن كثيرة من الغرب تتزايد قوة الجماعات اليمينية المحافظة. ولا يستطيع أحد لومهم، فالكثير من اللاجئين المسلمين يحمل معه إلى أوروبا نفس الفيروسات التي ابتليت ثقافتنا بها! «الإسلاموفوبيا».. من افرازات «الغربوفويا».

صحيفة الحياة، 14-05-2016، تحدثت عن ورقة للأستاذ «فريد حافظ» من النمسا، «أظهرت مؤشرات مقلقة»، وذلك في الندوة الدولية بالدوحة بقطر في أبريل الماضي حول «الإسلاموفوبيا».

يقول الباحث فريد حافظ: كانت النمسا من أوائل الدول الأوروبية التي اعترفت بدين الإسلام. ولا يشكل المسلمون نسبة تذكر بالمقارنة مع الدول المجاورة، مثل ألمانيا وإيطاليا وسويسرا.. إلخ. غير أن الإسلاموفوبيا هناك تحولت إلى رافعة سياسية - أيديولوجية، لوصول اليمين إلى البرلمان.

فعشية انعقاد الندوة، كانت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية كشفت عن تقدم صادم للمرشح اليميني (هوفر) الذي حظي بـ 35 في المئة من الأصوات، ولكن المفاجأة الأخرى التي يكشفها حافظ في ورقته هي تحول اليمين النمساوي (ذي الجذور النازية) من معاداة السامية إلى لامعاداة السامية، بل إلى التقرب من إسرائيل وما ينتج عن ذلك من مواقف جديدة تؤيد إسرائيل في سياستها إزاء العرب».

وتحدثت ورقة الناشط الفلسطيني - الألماني «لؤي المدهون» عن مسؤولية بعض المسلمين بممارستهم السلبية أو السيئة عما آل إليه الوضع في ألمانيا، «من الترحيب إلى التحريض»، وشدد من خلال شهادته عن تجربته «على ضرورة الاندماج الواعي في المجتمع الألماني، وعلى ضرورة الانخراط في المؤسسات السياسية والاجتماعية والإعلامية لإعطاء صورة إيجابية عن المسلمين».