فـــؤاد مطـــر

«أسمع جعجعة ولا أرى طحنا».. ذروة الجعجعة ما يتعلق بخلو منصب رئاسة الجمهورية من شاغله منذ 24 مايو (أيار) 2014. يا لهذه الاستهانة بالمنصب حتى من الطائفة المارونية نوابا وزعماء أحزاب ومواطنين ساكتين على منصب يتواصل التلاعب فيه.
من شأن لبنان أن يحظى بالازدهار الفائق لولا أن الحرب فيه وعليه التي أمعنت تدميرا في البنيان وتشويها في السمعة، أوقفت نموا كان في سبعينات الألفية المنقضية بمثل النمو الذي بدأت مراحله تتحقق في إمارة دبي على يدي صاحب رؤية.

لقد أحدث رجل الأعمال اللبناني رفيق الحريري، النقلة المتدرجة لإعمار لبنان من بين الركام. وفي السنوات الحريرية هذه بدأ لبنان يستعيد أزماته الماضية ما قبل الحرب التي اندلعت بشرارة يوم 13 أبريل (نيسان) 1975؛ حيث كانت فنادق عاصمته ومصايفه ومراكز التزلج في جباله مشغولة كما الحال في دبي. وكانت العائلات الخليجية ترى في لبنان أنه الواحة التي تطيب الإجازة فيها، وبات الخليجي المقتدر يرى أن يكون له بيت دائم في لبنان، وفي ضوء ذلك ازدهرت الحركة العمرانية كما لم تزدهر في أي زمن سابق.

عندما يتابع اللبنانيون والذين هم من الصادقين في ولائهم لوطنهم وخشيتهم عليه من أصحاب الطمع والسوء الذين يعتبرون لبنان بضاعة يقومون بتسويقها للغريب، وليس وطنا خص الله به عباده لكي يعيشوا فيه ويصونوه ولا يفرطوا فيه ولا هو ساحة لطرف يستعرض فيها «جيشه» أو طرف يملأها بمحازبيه هاتفين دون وعي بما لا يخدم الأوطان، أو طرف يختبر فيها قدراته الخطابية المكلَّف بها من غرباء.. إن اللبنانيين هؤلاء عندما يتابعون عبر ما يشاهدونه في الفضائيات، ما تشهده الدول الأخرى من سير نحو التقدم ويقارنون ذلك بالأحوال المزرية التي انتهى إليها لبنان بفعل كثرة من أحزابه وسياسييه ونواب برلمانه وكثرة جعجعة كل مَن يدَّعي حرصا ولا هو بالحريص، فإنهم لا يحسدون أحدا ولكنهم يتحسرون على بلدهم.

والموجود في لبنان هو قلة في الولاء وكثرة في اعتبار الوطن من جانب رموز العمل الحزبي والحركي والسياسي سلعة تباع للغريب، مقابل وجاهة وزعامة يحققها الغريب لهذا الذي باع.
ولقد عاش لبنان الازدهار لبضع سنوات، ثم شاءت الأقدار أن تمتلئ الساحة بالأشرار والميليشيات والأحزاب التي تجيِّر الوطن والناس لخدمة مشاريع أطراف خارجية. وبسبب ذلك ها هو لبنان السياحة عرضة للذبول، وها هو لبنان الاستثمار العقاري في تراجع مقلق، وها هو الشأن المصرفي عرضة للاهتزاز، وها هي الشركات تعيد النظر في خططها.