مازن السديري

السيسي وإردوغان قائدان فرضتهما الجماهير؛ إذا نظرت في عمقهما وتأملت بصورة واسعة.. وما أكد لي ذلك ما عاشته تركيا مساء الجمعة الماضي من لحظة تاريخية أعادت للذاكرة تدخلات الجيش المتعددة التي حرمت البلاد من التنمية والتقدم منذ وفاة بطل توحيد تركيا كمال أتاتورك..

تركيا هذا البلد العملاق عاش تاريخاً طويلاً من فشل التنمية والاستقرار السياسي الذي كان بين فترة وأخرى يثير المخاوف العامة بأن تدخل البلاد إلى مرحلة التفكك والتراجع، وكان آخرها عندما فرض الجيش (يلمز) رئيساً للوزراء برغم فوز نجم الدين أربكان في التسعينيات الميلادية التي ولّدت موجات سخط داخلية وما تبعها من آثار اقتصادية نتج عنها أزمة التضخم التي عصفت بالاقتصاد التركي عام 99م؛ ونتج من تلك الأزمة موجة ضعف عامة في جميع مؤسسات البلاد ومنها الجيش الذي لم يمنع وصول عبدالله غول أولاً ثم إردوغان.

صحيح أن تركيا تعاني من تذبذب سعر صرف الليرة التركية وتملك احتياطياً دولارياً متواضعاً قياساً بحجمها الاقتصادي 3.8%، وأغلب النقد الداخل إلى تركيا فترته قصيرة وتصنيفها الائتماني هو الأدنى على المستوى الاستثماري، لكن إردوغان في المقابل وعلى مدى طويل استطاع إرساء قواعد التنمية المستدامة في البلاد، حيث قاد إصلاحات كبيرة شملت تيسير دخول الاستثمارات الأجنبية ودعم المصارف وإنشاء صناديق لتمويل القطاع الخاص وقام بتطوير شبكات الطرق العامة وتطوير النقل العام حتى أصبح الطيران التركي من أفضل الخطوط عالمياً، ورفع المستوى التعليمي ودعم البحث والتطوير (R&D) وتطوير الطاقة البديلة ونمو الطاقات الكهربائية في بلد شبه خالٍ من البترول حيث ساعدت هذه الإصلاحات تركيا على تحقيق معدلات نمو بمتوسط 2.8% خلال السنوات الأخيرة، وكان يطمح أن تنضم أوروبا لنادي الدول المتقدمة عبر الاتحاد الأوروبي؛ لتكتسب تركيا التكامل التنموي مع أكبر كيان اقتصادي في العالم.

ومنذ بداية معرفتي بالانقلاب ومتابعتي له أدركت فشله الذي ذكرني بانقلاب الجيش الأحمر السوفييتي على غورباتشوف الذي أراد إعادة عقارب الساعة والشيوعية "اللينينية" التي مقتها الشعب، واليوم ومع تطور وسائل الاتصال والأخبار ضعفت قدرة الجيوش على كبت شعوبها إلا إذا كانت عصابة ميليشيات مثل سورية أو كويا الشمالية مستعدة لحمام الدم ونظام لا تعنيه التنمية وجوع الشعب.

ولو نجح الانقلاب فقد كان من الممكن أن يدخل تركيا في حرب أهلية مع الأقليات مثل الأكراد والأرمن والعرب وسوف تخترق الدولة خلايا داعش مثل النار في القش.

نفس المبدأ في مصر؛ الجيش ما كان ليسود لولا أنه حقق إرادة الشعب بإسقاط نظام كان يحاول سلب الثورة، وكونه منتخباً لا يعفيه من الانصياع لإرادة الشعب الذي خرج وعبّأ ميدان التحرير نفسه الذي أسقط مبارك من قبل، ولم يكن الجيش إلا ملبياً لإرادة الجماهير، الأهم السيسي أيضاً الآن يكتب صفحات من النجاح في الإدارة المصرية والتي نالت استحسان صندوق النقد الدولي وحقق الاقتصاد المصري أعلى معدل عربي للنمو عام 2015 مع مملكة المغرب، وقام السيسي بكسر سياسة الدعم للمحروقات المستوردة والدعم الزراعي التي أضعفت الاقتصاد المصري منذ خمسينيات عبدالناصر وأصلح النظام الضريبي، وحارب السوق السوداء، هذه الإصلاحات القاسية ما كانت لتكون لولا رضا الشعب والاستقرار الذي تعيشه البلاد.

أخيراً أتمنى التقارب التركي - المصري من أجل شرق أوسط أقوى، وأتمنى أن يكون ذلك على أجندة المملكة الخارجية، ليس لصالح أحد الخلاف والردح بين الطرفين لا جدوى منه سوى تحفيز الجماهير وتضييع الجهود، في وقت يتمزق فيه الشرق الأوسط الى غابات داعشية..