&عثمان ميرغني&&

لا يكاد يمر يوم من دون أن يخرج علينا دونالد ترامب المرشح عن الحزب الجمهوري الأميركي لانتخابات الرئاسة، بتصريح مثير للجدل، أو بكلام ينضح جهلاً أو عنصرية. فالرجل كما وصفه الرئيس باراك أوباما ليس رجل برامج، أو رجل حقائق.. إنه مرشح الشعارات وإثارة المخاوف والنعرات العنصرية.

آخر سقطاته كانت المعركة التي فتحها مع أسرة الضابط الأميركي المسلم هيمايون خان الذي قتل في حرب العراق، وذلك بعدما ألقى والد الضابط خطابًا أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي هاجم فيه المرشح الجمهوري ومواقفه العدائية تجاه الإسلام والمسلمين. خضر خان أشعل القاعة بالتصفيق خصوصًا بجملتين تداولهما الناس والإعلام، وربما أصابتا ترامب في مقتل؛ الأولى عندما توجه بالكلام إلى المرشح الجمهوري متسائلا: «هل قرأت الدستور الأميركي؟»، وأخرج نسخة صغيرة من جيب سترته قائلا: «يمكنني إعارتك نسختي». أما الثانية فعندما تحداه بالقول: «لم تقدم تضحية، ولم تفقد أحدًا».

ترامب ليس سياسيًا محنكًا، ولا هو شخصية قادرة على تحمل الانتقادات، أو الرد عليها بالمنطق والحقائق، مفتقدًا بذلك صفة أساسية يجب أن يتمتع بها من يتقدم لشغل المناصب العامة. لذلك سارع، بصلافته وصفاقته المعهودتين، للرد على خطاب خان بسلسلة من التغريدات على «تويتر» والتصريحات التلفزيونية التي سعى فيها لإهانة أسرة الضابط المسلم والسخرية منها ومن الديانة الإسلامية. فقد ترك لب الحديث وجوهر التساؤلات وركز على محاولة إهانة أسرة خان، ساخرًا من أم الضابط القتيل قائلاً إنها كانت تقف بجوار زوجها صامتة «لأنه ربما لا يسمح لها بالكلام»، وهو ما فهم منه أنه يقصد أن الإسلام والمسلمين يمنعون النساء من الحديث.

كلام ترامب أشعل الجدل مجددًا حول مدى أهليته للترشح لمنصب الرئاسة. وهكذا رأينا سيلاً من الانتقادات في وسائل الإعلام، وسمعنا سلسلة من التصريحات من شخصيات بارزة ترد على المرشح الجمهوري، خصوصًا مع إصراره على تجاهل نصائح مستشاريه ومسؤولي حزبه بالتراجع عن معركة خاسرة مع عائلة خان، والتركيز على القضايا الأساسية في المعركة الانتخابية.

الواقع أن المعركة مع أسرة خان قد تصبح بداية معركة أوسع لإسقاط ترامب مبكرًا في سباق انتخابات الرئاسة التي يفصلنا عنها أقل من مائة يوم. فقد بدأ جمهوريون بارزون ينأون بأنفسهم علنًا عن الرجل، ووصل بعضهم مثل عضو الكونغرس ريتشارد هانا (حنا) إلى إعلان موقف صريح بأنه سيصوت لصالح المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، لأن ترامب غير مؤهل لقيادة الحزب الجمهوري ولا أميركا، وهو موقف قد يتبعه آخرون.

السيناتور جون ماكين الذي يتمتع باحترام واسع وسط الجمهوريين هاجم بشدة موقف ترامب الأخير وتهجمه على أسرة خان، قائلاً إن تصريحاته لا تمثل الحزب ولا تعبر عن قياداته ومؤسساته. المشكلة في هذا الكلام أن الحزب الجمهوري انتخب ترامب ليكون مرشحه في الانتخابات، وبالتالي فإن كل ما سيصدر عنه سيصبح بالضرورة محسوبًا على الحزب ومؤسساته وقياداته.

أوباما كان محقًا عندما دعا قادة الحزب الجمهوري، أول من أمس، إلى سحب تأييدهم لترشيح ترامب قائلاً إن انتقاداتهم له تبدو فارغة إذا استمروا في تأييد ترشحه للرئاسة. صحيفة «نيويورك تايمز» ذهبت أبعد من ذلك عندما نشرت افتتاحية هاجمت فيها قيادات الجمهوريين، ووصفتهم بالوهن والجبن لأنهم لا يريدون المجاهرة بمواقفهم أو يتجرأون على سحب تأييدهم لترشحه.

قد يكون العديد من القيادات الجمهورية التي لا تريد شق الحزب، تراهن على أن ترامب سيخسر الانتخابات أمام هيلاري كلينتون، وبالتالي سيحل ذلك مشكلتها، أو أنه إذا حقق مفاجأة الفوز فيمكن التأثير عليه ولجمه من خلال الكونغرس ومؤسسات الدولة وآلياتها السياسية. الرهانان يحملان قدرًا من المخاطرة بالنظر إلى شخصية ترامب العنيدة والغوغائية، وظاهرة السخط الكامن إزاء الطبقات السياسية في كثير من الدول. فالمزاج السائد الذي أوصل ترامب إلى مرحلة الفوز بفرصة الترشح عن الحزب الجمهوري، يمكن أن يقوده إلى الرئاسة خلافًا للتوقعات والحسابات. وهناك دروس مهمة، رغم الفوارق، في استفتاء بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، وفي صعود اليمين المتطرف الملحوظ في أوروبا بتوظيف شعارات العداء للهجرة والمهاجرين، واستخدام الهجمات الإرهابية للنفخ في العداء للإسلام والمسلمين وبث أجواء العنصرية والكراهية والانغلاق.

المعركة الدائرة اليوم ليست لإنقاذ أميركا من نفسها فحسب، ولكن أيضًا لإنقاذ العالم من لحظة مجنونة، مستبعدة، ولكنها تبقى محتملة، ولو بنسبة ضئيلة، يمكن أن يفوز فيها ترامب في الانتخابات الرئاسية ليعزز فوزه اليمين المتطرف والعنصري خصوصًا في أوروبا التي تتقد فيها نيران كثيرة تحت الرماد. وفي التاريخ نماذج لشخصيات غوغائية وصلت إلى الحكم عبر صناديق الانتخابات. حتى النازية وصلت إلى السلطة بالانتخابات، لتقود ألمانيا وأوروبا والعالم نحو فصل مظلم من تاريخ الحروب والعنصرية والكراهية. والعالم اليوم لا تنقصه الأزمات، ولا يحتاج بالتأكيد إلى سياسيين غوغائيين.

&&

&