&زياد الدريس

انطلقت الأسبوع الماضي فاعليات الموسم العاشر من مهرجان (سوق عكاظ).

صياغة هذا الخبر الصحافي تبدو اعتيادية عند مرور قارئ اعتيادي عليها، فهناك مهرجان في مكانٍ ما من هذا العالم العربي، أو ربما خارج العالم العربي أيضاً، سُمِّي على غرار اسم (سوق عكاظ) الموجود في مرويات العرب الشفوية، والمدونة لاحقاً!

لكن الخبر الصحفي «الاعتيادي» سيتحول إلى معلومة غير اعتيادية لو قيل لقارئه العربي، أو المستعرب، أن هذا المهرجان الثقافي السنوي لا يتسمّى، تجمّلاً فقط، باسم (سوق عكاظ)، بل هو مهرجان يقام حقاً وليس مجازاً في موقع (سوق عكاظ) الأسطوري، أو بالأصح الذي كان يوشك أن يكون أسطورياً، لولا إحياءه من جديد.

وقد أجاد الآثاري السعودي عبدالله الشايع وصف هذا الصيت الرنان لسوق عكاظ في عنوان كتابه: «عكاظ.. الأثر المعروف سماعاً المجهول مكاناً».

كما أصدرت أمانة المهرجان كتاباً توثيقياً لسوق العرب التاريخي عنونَتْه بما جعلْتُه عنواناً لمقالي هذا: «عنقاء الجزيرة العربية»، ترميزاً للانطباع الأسطوري الذي بقي يلفّ سوق عكاظ طيلة قرون مضت منذ توقفه عن الانتظام في العام ١٢٩ للهجرة، حتى انبعثت العنقاء من رمادها من جديد بعد أفولٍ طويل.

ارتبط سوق عكاظ في الذاكرة الشفوية بالشعر وبالمعلقات السبع لأمراء الشعر حينذاك، وبالخطب العصماء التي كان يلقيها حكماء وخطباء العرب. لكن لأن هذه المناشط شفوية لا تحتاج بالضرورة إلى مكان محسوس ترتبط به فقد ظلت سمعة السوق شفوية أكثر منها مكانية، وقد كان هذا بسبب خفوت الشطر الثاني من نشاط (سوق عكاظ) وهي التجارة التي كانت تتم فيه عبر تبادل البضائع المجلوبة إليه من شرق وغرب وشمال وجنوب الجزيرة العربية، من داخلها وخارجها.

عاد سوق عكاظ من كهف الغياب الذي نام فيه ١٣٠٠ سنة، بمبادرة فريدة من الأمير خالد الفيصل، الذي رأى أن إحياء السوق التاريخي لن يخدم منظومة التنشيط السياحي لمدينة الطائف السعودية (بستان الجزيرة العربية) فقط، بل هو أيضاً استعادة لموروث ثقافي/ تاريخي لم يغب عن الذاكرة الشفوية أبداً، لكنه غاب عن الذاكرة الجغرافية.

والذين يشتهون، تجنيّاً، وصف سوق عكاظ بأنه سوق (جاهلي)، بالمعنى المعرفي وليس الزمني، عليهم أن يتوقفوا عن الاستشهاد بأبيات وحِكم المعلقات العشر، فإنها قد صُنعت في (سوق عكاظ).

قيمة سوق عكاظ الإنسانية أكبر بكثير من أن تشوّهها مثلاً هفوة شاعر أو زلة مذيع أو صبيانية مصور تلفزيوني لم يدرك هيبة سوق عكاظ!

وبسبب الميزة المزدوجة للسوق التاريخي، موقعاً مكانياً ومحتوىً شفوياً فإنه قادر على دخول منظمة اليونيسكو من بوابتيها العالميتين لذاكرة الإنسانية، وهما: لائحة التراث المادي ولائحة التراث الشفوي، وهي ميزة معرفية قلّما توافرت لموقع أثري كما توافرت في (سوق عكاظ).