&هـانى عسل
«النطع» فى اللغة العربية هو البساط الذى يتم مده على الأرض لوضع المحكوم عليه بالجلد أو بالإعدام.
و«النطع» أيضا هو ما ظهر فى داخل الفم من أعلى الحلق، وهو موضع اللسان فى عمق الفم.
وكلمة “التنطع” تشير دلالة إلى من كثر كلامه وجدله واعتراضه بصورة تصل إلى درجة التشدد والتزمت.
فـ «المتنطعون» هم المجادلون المتشددون الذين يتعمقون فى كل شيء أكثر مما ينبغي، قولا أو فعلا، فى العبادة أو فى أمور دنياهم، فيبتعدون بذلك عن الوسطية والفطرة والاعتدال، ويميلون إلى اللجاجة، ولا يعجبهم العجب، ويعترضون على كل شيء وأى شيء، وهم من قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم “هلك المتنطعون”.
وفى حياتنا اليومية، ما أكثر “المتنطعين” من حولنا، وما أبشع “الهلاك” الذى أصابنا وأصاب بلادنا من “تنطعهم” الذى اتخذوه حرفة ومهنة!
خذ عندك مثلا قضية واحدة فقط أو حدثا واحدا يمكن القياس عليه، مثل مشاركة الرئيس فى قمة مجموعة العشرين بالصين، وانظر كيف كان المتعاملون معها من «المتنطعين» أشكالا وألوانا!
وجدنا مثلا الناشط «المتنطع»، الذى استكثر على الرئيس أن يشارك فى حدث عالمى بدعوة خاصة من الدولة صاحبة ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، على اعتبار أن هذه القمة «كلام فاضى»، وليس من المفترض أن نشغل نفسنا بها، لأننا «أرفع من ذلك»، رغم أن هذا المتنطع نفسه هو الذى «يهري» فى نفسه على مواقع التواصل الاجتماعى منذ سنوات للإلحاح على فكرة أن سمعة مصر الدولية تراجعت، وأن مكانتها بين الأمم أصبحت فى الحضيض!
وجدنا أيضا المحلل السياسى «المتنطع» الذى اعتبر أنه يتعين على الرئيس دائما وأبدا أن يبقى على أرض مصر، ولا يشارك فى أى حدث عالمى من أى نوع، بحجة أن «مشكلاتنا كتيرة» و«مش لاقية حد يحلها»، وأن البقاء بين الناس «مواءمة»، وغير ذلك من هذا الكلام الأبله، وكأننا الشعب الوحيد فى العالم الذى يعانى من الأزمات!
وجدنا أيضا الخبير الاقتصادى «المتنطع» الذى يصر دائما على الخلط بين منصب رئيس الدولة ومنصب محافظ القاهرة أو وزير التموين أو حتى رئيس الوزراء، ويعتبر أن المهمة الرئيسية الأولى للرئيس، وأى رئيس فى أى دولة، هى أن يعمل جاهدا على ملء بطون مواطنيه بالسلع المدعومة، وأن يحل مشكلاتهم مع السكر والأنابيب ولبن الأطفال الذى اعتاد عليه أجدادنا (!!) بلا قمة بلا قناة سويس بلا مؤتمر اقتصادى بلا مستقبل بلا كلام فاضي!
وجدنا أيضا الإعلامى «المتنطع» الذى ابتلانا الله بأن منحه ساعة زمن فى قناة فضائية ليقدم لنا تحليلاته «التافهة» للقمة، مثل شكل الطائرة التى أقلت الرئيس الفلاني، ومن الذى استقبله فى المطار، وماذا كان يرتدي، ونوع السيارة التى استقلها كل رئيس، ولماذا، وإشمعني، وسبب وقوف السيسى فى الصف الثانى من الصورة الجماعية للقادة، ولماذا جلس هذا الرئيس بجوار ذاك؟ وكأننا نتحدث عن «فرح بلدي»، أما قضايا القمة ونتائج مناقشات الرئيس، فليست فى مستوى سيادته طبعا!
وأخيرا، هناك أيضا المواطن «المتنطع» الذى يتصور دائما أن الرئيس فى جولاته الخارجية مطالب بأن يعود إلى أرض الوطن ومعه «زكائب» من النقود والذهب والفضة لتوزيعها على المصريين الغلابة، على طريقة الجملة الشهيرة فى الأفلام الدينية القديمة «هاك صرة بمائة دينار»، وأنه إذا لم يفعل ذلك فقد فشل فى مهمته، و«السفرية» مالهاش لازمة، وإهدار للمال العام، وكأن هذا المواطن الذى يتحدث أصلا ساهم فى إنتاج مليم واحد من هذا المال العام!
صحيح، «هلك المتنطعون» .. والمشكلة أنهم أهلكونا معهم!!
التعليقات