حمد الماجد

 في دول ما سمي الربيع العربي كانت هناك تجارب متفاوتة في ظروفها ومسبباتها وملابساتها، لكن يجمعها كلها إسقاط أو محاولة إسقاط الأنظمة الحاكمة فيها، ويجمعها أيضًا، وهو محور الحديث هنا، تشرذم المعارضة وتشظيها إلى فصائل والفصائل تلد الفصائل كالقنابل العنقودية.
والتي أسقطت نظمًا حاكمة من هذه التجارب عجزت هي الأخرى أن توجد البديل ليتحول الحال بعد التغيير إلى أسوأ بكثير مما كان قبل التغيير، وهذا ما حصل في دول ما يسمى الربيع العربي، يتحول بعضها إما إلى دول تعمها الفوضى أو إلى دول فاشلة، كلما حاولت أن تقف على قدميها سقطت أو أُسقطت ولو حصرنا الحديث على الثورات في الزمن المعاصر، فسنجد هذا الفشل المريع للثورات، أو بعبارة أدق طول زمن التعافي، محصورًا في العالم العربي والإسلامي، بل لن أتجاوز الحقيقة إذا قلت إن العالم السني قد حصد النسبة الكبيرة من الفشل والتشرذم في معارضته والتحول لدول فاشلة، خذ مثلاً ثورات تغيير الأنظمة في بعض دول شرق أوروبا التي كانت تحلق في فضاء الجاذبية الشيوعية السوفياتية تحكمها ديكتاتوريات شبيهة بتلك الحكومات التي كانت تحكم الدول العربية الآنف ذكرها، مثل رومانيا وبلغاريا، ثارت شعوبها على ديكتاتوريتها لكن التحول في بعضها دامٍ ومؤلم، لكنها كلها لم تتحول إلى دول تعمها الفوضى ولا تحولت إلى دول فاشلة، كما هو الحال في التجارب العربية، وتبقى تونس الاستثناء الوحيد الذي تحول فيه الحكم من استبداد مطلق، إلى نظام ديمقراطي، مما جعل التجربة التونسية تشابه إلى حد كبير تجارب دول شرق أوروبا.
الظاهرة المؤلمة الأخرى شدة تشظي الثورات والمعارضات العربية، نعم ليس العرب والمسلمون والسنة منهم على وجه التحديد استثناء من اختلاف الثوار والمعارضات العالمية، تبعًا لاختلاف مناهج التغيير وطرائق الإصلاح، لكني لا أتصور أن هناك تجارب مماثلة للمعارضة العربية والإسلامية، كان المثال الصارخ في الوضوح التجربة الأفغانية التي تسلمت كابل تعلوها بعض الندوب وسكنوها لتصبح في الحرب الطاحنة بين فصائلها السبعة قاعًا صفصفًا ثم تجليهم منها طالبان، وتتحالف مع «القاعدة» في فترة استقرار أمني، لكنها أيضًا تحولت إلى أكبر مفرخة للتشدد والتغيير بالعنف، حتى نضج التشدد فيها ليصل إلى مرحلة التصدير للدول العربية والغربية، لتطير الجرثومة للعراق فتفرخ «داعش» ومن دار في فلكها، لتسهم هي الأخرى في إصابة الحراك في العراق ضد الميليشيات الطائفية في مقتل، ثم تطعن الثورة السورية في خاصرتها لتساهم هي الأخرى في كل التراجعات التي شهدتها الثورة السورية المباركة.
كما أصيبت الثورة السورية أيضا بتنازع وتشظٍ أضعاف ما أصاب المجاهدين الأفغان في حربهم ضد الشيوعيين والاتحاد السوفياتي، بل لا أتجاوز إذا قلت إن عدد الفصائل التي تحارب النظام الطائفي السوري غير مسبوق في تاريخ الثورات البشرية، حتى قالت بعض الإحصاءات إن عدد الفصائل السورية تجاوز المائة، مما أضعف الثورة وشتتها. وهذا ما سأسلط الضوء عليه في مقال قادم بحول الله.