عدنان أحمد يوسف

واضح أن عام 2017 سيشهد العديد من التطورات الحاسمة بالنسبة إلى بيئة الاقتصاد العالمي، فهو يحمل في طياته استعدادات للتحرك في اتجاهات مختلفة قد تكون متناقضة - إيجابية وسلبية على حد سواء - لكن ما سيرجح كفة اتجاه على آخر هو مدى حكمة السياسات الاقتصادية والمالية التي ستعمل دول العالم في شكل مشترك على تنفيذها.

من نافل القول إن جهود العالم يجب أن تتكثف لوقف كل أشكال النزاعات والحروب والعمليات الإرهابية في العالم، خصوصاً في منطقتنا العربية، والتخفيف من أزمة النازحين واللاجئين، بغية خلق مناخ مواتٍ أكثر للنمو الاقتصادي، وستأخذ السياسات الاقتصادية والمالية الثقل الأكبر في ترجيح تلك الاتجاهات.

تشير التوقعات الراهنة للاقتصاد العالمي لعام 2017 إلى استمرار الأداء الضعيف بسبب تباطؤ النشاط في الولايات المتحدة وتصويت بريطانيا لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي. وستكون طبيعة التعافي المتوقع متقلبة بعد مُضي ثماني سنوات على الأزمة المالية العالمية، ما يشير إلى أن بعض جذور الأزمة لا يزال قائماً ولم يُعالَج بعد.

يتوقع صندوق النقد الدولي تحقيق نسبة نمو عالمي مقدارها 3.1 في المئة هذا العام وذلك على خلفية التعافي في بلدان الاقتصادات الناشئة الرئيسة، بما فيها روسيا والبرازيل. وقدّر الصندوق النمو في الولايات المتحدة هذا العام بنحو اثنين في المئة. ولفت إلى أن الزيادات الأخرى في السعر الأساسي للفائدة التي سيطبقها مجلس الاحتياط الفيديرالي ينبغي أن تكون تدريجية وأن ترتبط ببوادر واضحة إلى استقرار الأسعار والأجور بصفة دائمة.

ويُتوقَّع أن يصل نمو منطقة اليورو هذا العام إلى 1.7 في المئة. والنمو في اليابان، ثالث اقتصادات العالم، يُرجَّح أن يظل منخفضاً عند 0.6 في المئة في 2017. وفي الأجل القريب، سيلقى النمو دعماً من الإنفاق الحكومي وتيسير السياسة النقدية، وفي الأجل المتوسط، سيواجه اقتصاد اليابان عقبات نتيجة تقلص عدد السكان. أما في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية فيُتوقَّع ارتفاع معدل النمو للمرة الأولى منذ ست سنوات، ليصل إلى 4.2 في المئة، ومع هذا، تختلف الآفاق المتوقعة بصورة حادة بين البلدان والمناطق.

وتشير التوقعات إلى أن نمو اقتصاد الصين، ثاني أكبر اقتصادات العالم، سيصل إلى 6.2 في المئة في 2017. لكنْ عموماً هناك تقدير للجهود التي تبذلها الصين من أجل تحويل الاقتصاد بعيداً عن اعتماده على الاستثمار والصناعة وتوجيهه نحو الاستهلاك والخدمات، وهي سياسة من المتوقع أن تُبطئ النمو في الأجل القصير بينما تضع الأسس لتوسع أكثر قدرة على الاستمرار في الأجل الطويل. ويرى صندوق النقد مع ذلك أن حكومة الصين يجب أن تتخذ خطوات لكبح ائتمان الشركات الصينية التي تزداد بوتيرة خطيرة ووقف الدعم الذي تقدمه إلى المؤسسات المملوكة للدولة والتي لا تملك مقومات البقاء، وقبول تباطؤ نمو إجمالي الناتج المحلي المصاحب له في الأجل القصير.

في ما يتعلق بتوقعات النمو الاقتصادي في المنطقة العربية، مما لا شك فيه أن التطورات في البيئة الاقتصادية الدولية انعكست على الأداء الاقتصادي للبلدان العربية خلال عام 2016 كغيرها من الدول النامية واقتصادات الأسواق الناشئة الأخرى التي تأثرت بهذه التطورات، خصوصاً في ما يخص استمرار ضعف الطلب الخارجي أو بقاء أسعار النفط عند مستويات منخفضة. ومما لا شك فيه أيضاً أن التوترات الأمنية والجيوسياسية التي تخلق حالاً من عدم اليقين، علاوة على تباين مسارات النمو وتوجهات السياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة وما أدت إليه من تقلبات واسعة في تدفقات رؤوس الأموال إلى الدول النامية واقتصادات الأسواق الناشئة، تفرض تحديات إضافية على بلدان المنطقة التي يعاني عدد منها من فجوات تمويلية متزايدة منذ عام 2011 سواءً في ما يختص بالبلدان المصدرة للنفط أو تلك المستوردة له.

من جهة أخرى، لا تزال الأوضاع الداخلية في بعض الدول العربية تحول دون استعادة تلك البلدان توازناتها الاقتصادية الداخلية والخارجية وتؤثر في النمو المحقق على مستوى الدول العربية كمجموعة. وفي محصلة للعوامل السابق الإشارة إليها، تراجع معدل نمو الدول العربية كمجموعة خلال عام 2016 بنحو 0.3 نقطة مئوية إلى 2.6 في المئة. أما في ما يتعلق بعام 2017، فمن المتوقع حدوث تحسن نسبي لمعدل النمو الاقتصادي إلى نحو 3.1 في المئة بفضل التعافي التدريجي للنشاط الاقتصادي في كل من الدول العربية المصدرة للنفط والمستوردة له نتيجة عدد من العوامل، في مقدمها تحسن أسعار النفط.

وفي ما يخص دول مجلس التعاون الخليجي تحديداً، اختتم عام 2016 وسعر النفط يكاد يلامس 60 دولاراً، ويُتوقَّع أن يتواصل هذا التحسن لكن تأثيرات خفض الدول المنتجة للنفط داخل "أوبك" وخارجها سقف الإنتاج ابتداء من مطلع هذا العام لن تتضح قبل مضي أشهر. ويُرجَّح أن يتجاوز معدل النمو في دول المجلس تقديرات البنك الدولي الذي حدده عند 2.5 في المئة مع عدم التقليل من التحديات التي يواجهها الاقتصاد الخليجي على أكثر من صعيد، خصوصاً جهود إعادة الهيكلة الهادفة إلى جعل الاقتصاد أكثر تنويعاً وإنتاجاً لفرص العمل للمواطنين.

إجمالاً يمكن القول إن آفاق التعافي العالمي لا تزال ضعيفة ومتقلبة، لذلك لا تزال الحاجة ماسة إلى اتخاذ منهج شامل على مستوى السياسات يحقق الاتساق والتنسيق بينها من أجل إنعاش النمو، وضمان توزيعه بمزيد من التساوي، وجعله دائماً.