حسن المصطفى

قبل أن يتحول إلى Costa Coffee، كانت تلك المساحة الضيقة في الزاوية المطلة على شارع الحمراء، وأنت هابطٌ إليه من "طلعة البريستول"، كانت محطة لكثير من وجوه الثقافة والصحافة في لبنان، حيث مقهى Horseshoes، الذي أغلق وأعيد فتحه أكثر من مرة، إبان الحرب الأهلية وقبلها. فيما الزاوية التي تقابله يُزينها كل صباح بائع الجرائد، بقامته القصيرة التي لا تخطئها عين، وخبرته التي صيرته وجهةً أذهب إليه كلما بحثت عن عدد من صحيفة ما، أو مجلة فقدتها لدى سواه.

إلى الأمام قليلا، كان Café de Paris، حيث يجلس علي حرب، وجودت فخر الدين، وشوقي بزيع، وحسن العبدالله، وعصام عبدالله، ورهط من المثقفين والشعراء القادمين فأكثرهم من جنوب لبنان، مثخنين بجراح اليسار، وعذابات الحرب مع إسرائيل. وهم هنالك، رفاق، يتضاحكون، يتناقشون، يختلفون، تعلو أصواتهم، ويبقون مخلصين لفنجان قهوتهم التي لا يعتذر عن موعدها أحدٌ، قبل أن يغلق المقهى لاحقا، ويتسرب الرفاق بين ما تبقى من طاولات على الشارع الشهير، فيما البعض يمم وجهه صوب مقهى "الروضة" ناحية الروشة، مؤثرا صحبة الفنان رفيق على أحمد.

على الطرف الآخر من الشارع، وفي ممر داخلي، كان هنالك Chez André، حيث صورنا ذات مرة روبرتاجا عن الصديق الناشر العراقي خالد المعالي، أثناء لقاء له مع جوزيف عيساوي، في قناة "الحرة". إلا أن هذا المكان الذي ازدحم بصور الفنانين والأدباء الذين تناثرت حكاياهم بين الطاولات، وعلى المفارش العتيقة، التي أنهكتها أعقاب السجائر المهملة، هذا المكان، أطلقت عليه رصاصة الرحمة، حيث أغلق، وسقط، كما سقطت ذاكرة الحمراء، واحدة تلو الأخرى!.

أذكر كيف أن الجرائد ازدحمت ناعية مقهى الـ Mooca، دون أن يبادر أحد لأن يقدم مبادرة ثقافية واقتصادية، تنقذ هذا الشاهد على تاريخ مهم لبيروت، ولبنان، قد يكون انتهى زمنه، أو أُريد له أن يغيب دون رجعة.

على مرمى ابتسامة، كان الـ Wimpy، حيث كنت والصديق الراحل راشد الراشد، نجلس مرارا مع الزميل –حينها- في جريدة الرياض، وائل أبو فاعور، نتبادل الحديث والأخبار والنقاشات السياسية، قبل أن يبرز نجم أبو فاعور، ويصبح وزيرا لامعا.

خمس سنوات قضيتها في شارع الحمراء، كان لها أثر عميق في حياتي، وتفكيري، ونظرتي للدين والسياسة والفن والثقافة والإنسان. سنوات من خبر الشارع الأثير واحتضنه بقلبه وعقله، وبقي في حنين دائم له، لن ينقطع ما حييت!.