حسين شبكشي
اشتهرت الولايات المتحدة بعادة فريدة من نوعها وهي تسمية الأعاصير الموسمية التي تصيب ساحلها الشرقي في صيف كل عام بأسماء الرجال والنساء، ولعل الذاكرة لا تزال حافلة وحية بأحداث وبقايا ذكريات إعصار أندرو وإعصار كاترينا. اليوم يتعايش العالم مع إعصار «ترمب»، وذلك لأنه منذ وصول الرئيس الأميركي إلى سدة الحكم بالبيت الأبيض والكل يركض خلفه محاولا التقاط معاني مقصده ومغزى قراراته لا فرق في ذلك بين الحليف والخصم في الحيرة من أمرهم.
ترمب انطلق فورًا ومنذ اللحظة الأولى لتسلمه المنصب وهو يصدر القرار تلو الآخر تنفيذًا لوعوده الانتخابية والتي كان من ضمنها بناء السور الفاصل والجدار العازل مع المكسيك في الجنوب، وإلغاؤه معاهدة دول المحيط الهادي التجارية وإعادة النظر في اتفاقية ومعاهدة دول «نافتا» مع كندا والمكسيك، وها هو يعلنها بصراحة وينفذها إيقاف قبول اللاجئين المهاجرين والزائرين من سبع دول إسلامية (واستثناء اللاجئين بسبب الاضطهاد الديني من ديانات أخرى من هذه الدول).
وهو الآن يراجع بالكامل نظام أوباما الطبي، وسيجبر المكسيك على سداد قيمة الجدار العازل الذي يقدر بالبلايين من الدولارات وذلك عن طريق تحميلها ضريبة تبلغ 20 في المائة على كافة البضائع الواردة إلى أميركا منها، وكذلك ينوي الرئيس ترمب إعلان حرب تجارية صريحة وعريضة مع الصين. ولعل الدهشة الأولى التي من الممكن بناء عليها قياس «حجم» الإعصار الذي نتحدث عنه، هي الصدمة التي أصابت الحلفاء في القارة الأوروبية، وهم الحلفاء الأوائل والتقليديون، فسرعان ما خرجت التصريحات الواحد تلو الآخر من المسؤولين الأوروبيين «تحذر» من «عواقب» هذه القرارات، وكيف أنها «تهدد» السلم العالمي، وأنه بالتالي لا بد أن «ترد» أوروبا عليها «بقوة» لمنع التداعيات، ولكن هل اكترث دونالد ترمب بالأمر؟ لا أعتقد أبدًا. فتارة يوصف ما يقوم به بـ«التنمر» السياسي المنبوذ والذي يمزق الأمم بدلاً من أن يوحدها ولكن الرجل لم يخدع أحدًا ولم يكذب على أحد ولم يتجمل أو ينمق كلامه ووعوده... كان صريحًا بشكل لافت وهو الذي لم يعهده أحد من الساسة التقليديين والذين يغلب عليهم طبع أن يعدوا وليس بالضرورة أن ينفذوا ما وعدوا به. ولكننا اليوم نحن أمام رجل أعمال لا علاقة له بالسياسة، قال لي أحد مساعديه مؤخرًا إن الرجل فيه صفة إذا «اتفق» مع أحد على مسألة فهو يبني معه ثقة ولكن إذا لم يتم تنفيذ الاتفاق فيصبح هذا الرجل عدوًا، ولذلك يجب التعامل مع هذه العقلية بحذر شديد حتى ولو كان ظاهره تغييرًا كاملاً مطلوبًا عن سياسة أوباما المترددة والضعيفة بالذات في منطقة الشرق الأوسط والأثمان التي ترتبت عليها بعد ذلك.
إعصار «ترمب» لا يزال في مراحله الأولية جدًا لم نر منه شيئا بعد، ولكن المؤشرات الأساسية ظهرت؛ الرجل ليس مهتمًا بأي قاعدة قديمة ولا نهج تقليدي، فهو ليس لديه أي شيء يخسره أبدًا، ويريد أن يضع بصمته الشخصية على فترة رئاسته بأسلوبه وبنهجه مهما كلف ذلك الأمر سياسيا. اربطوا الأحزمة جدًا فنحن أمام رحلة طويلة وبها مطبات عجيبة ولا أجد شيئا أطرف من سؤال سأله أحد أبناء صديقي لوالده بعد أن سمع الحديث المضطرب لضيوف والده عن قلقهم من دونالد ترمب، فما كان من الولد إلا أن سأل أباه «هل دونالد ترمب من علامات الساعة؟!». أيام غريبة ولكن مثيرة.
التعليقات