شملان يوسف العيسى

تسعى دول الخليج العربية لمساعدة العراق في إعادة إعماره بعد الحروب الدامية التي مرّ بها، وقد أعلن سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح عن عزمه عقد مؤتمر دولي في الكويت لجمع الأموال لإعادة إعمار العراق الشقيق. هذه المبادرة الإنسانية لا يختلف عليها أحد، فإخوتنا في العراق بحاجة ماسة للمساعدة. لكن المشكلة تكمن في حقيقة أن العراق من أغنى دول المنطقة بموارده النفطية والزراعية وموارده البشرية المؤهلة.

والسؤال الآن هو: كيف يمكن إعادة بلد غير مستقر حتى الآن.. فالحرب الأهلية ذات الطابع الطائفي لا تزال مستمرة؟

بدأ الخلاف بين الإخوة العراقيين بعد تحرير بلدهم عام 2003 من قبل الولايات المتحدة.. فالقوات الأميركية المحتلة فرضت على العراق حكماً طائفياً بقيادة «حزب الدعوة» العراقي، وتبريرها لذلك هو أن أغلبية الشعب العراقي هم من الشيعة.

الحكومة العراقية الجديدة المدعومة من إيران، أقصت المكونات العراقية الأخرى من الحكم، وعلى رأسهم سنة العراق، فضلاً عن المسيحيين والآشوريين والتركمان وغيرهم، وانفردت الأحزاب والتجمعات الشيعية بالحكم بعد إقصاء الآخرين.

الآن وبعد مرور أكثر من 14 عاماً على تحرير العراق، ازدادت وتيرة الأزمات السياسية، فالقوى السياسية العراقية المهيمنة على البرلمان مختلفة على كل شيء.. وقد فشلت في تحقيق الوحدة الوطنية، كما ازداد الفساد وسوء الإدارة وعدم الالتزام بالقانون، إلى درجة أن العراق الغني أصبح من أكثر دول العالم التي تعاني الفساد وسوء الإدارة.

لقد حققت الحكومة العراقية بدعم من الولايات المتحدة إنجازاً كبيراً يسجل لها، ذلك هو القضاء على إرهاب «داعش».. لكن الإشكالية الجديدة برزت مع مطالبة الأكراد في الشمال بإجراء استفتاء في مناطقهم حول الاستقلال وإقامة دولة كردية، وجاءت نتائج الاستفتاء مؤيدة لانفصال الإقليم عن العراق، مما دفع بالحكومة العراقية إلى رفض النتائج واعتبار هذه الخطوة خرقاً للدستور العراقي. وقد قامت الحكومة العراقية، ومعها تركيا وإيران، بمحاصرة مناطق الأكراد، وفرض الحصار الاقتصادي بإغلاق مطارات كردستان في الشمال.

لا أحد يعرف ماذا ستكون نتائج المقاطعة، وتعثر الحوار بين بغداد وأربيل، لكن الأمر شبه المؤكد هو أن العراق الموحد سابقاً لن يعود كما كان، وحتى يستعيد استقراره فقد يتطلب الأمر مراجعة جادةً للدستور وانتخاب حكومة وحدة وطنية تؤمن بوحدة العراق تحت حكم ديمقراطي تعددي لا يتم فيه إقصاء أو إبعاد أحد من مكونات الشعب العراقي.

لكن ماذا عن أموال إعادة الإعمار التي سيتم جمعها العام القادم؟

إن التريث بعملية إعادة إعمار العراق في انتظار أن يستقر ويختار حكومته الوطنية الديمقراطية، قد يكون ضرورياً لإنجاح هذه العملية. والأموال التي سيتم جمعها لإعادة إعمار العراق لا ينبغي وضعها تحت إدارة حكومته، بل ينبغي تكليف الأمم المتحدة والدول المتبرعة (عن طريق صناديق التنمية فيها) بالإشراف على إعادة الإعمار ذاتها، بما في ذلك إنشاء البيوت والمدارس والمستشفيات والطرق والجسور وغيرها.. وبذلك نضمن وصول المساعدات للشعب العراقي وليس لقيادات حزبية سرقت خيرات العراق وأدخلته في متاهات الحروب الأهلية والمطالبة بالاستقلال.