سلطان محمد النعيمي

مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب استراتيجيته تجاه النظام الإيراني التي ركزت على الاتفاق النووي وسلوك إيران في المنطقة بما فيها برنامجها الصاروخي، يطل علينا السؤال المتمثل في مدى إمكانية ترامب في الوصول إلى اتفاق داخلي ودولي للتعامل مع النظام الإيراني في نشاطاته المختلفة، بحيث يبصر فجر جديد داخل إيران، فجر الدولة ولا شيء سواها. نسير مع القارئ الكريم في هذا المقال لمعرفة حيثيات تلك الاستراتيجية ومستقبلها. واستراتيجية ترامب في مواجهة النظام الإيراني وموقفه من الاتفاق النووي والسلوك الإيراني في المنطقة، تتكون من اعتبارات أهمها: نشاطات إيران تمتد لما هو أخطر من الاتفاق النووي كتطوير الصواريخ البالستية ودعم التطرف والإرهاب. و«الحرس الثوري» سعى لاستخدام «الحوثيين» باليمن لشن هجمات تستهدف السعودية والإمارات، وتُقيد الملاحة في البحر الأحمر. كما أن استراتيجية الولايات المتحدة سابقاً أهملت تهديدات الجماعات المسلحة المدعومة من إيران. كما أن حرمان النظام الإيراني خاصة «الحرس الثوري» من تمويل الأنشطة الشريرة التي تستنفد ثروات الشعب الإيراني، والاتفاق النووي مع إيران لا يحقق الجانب الإيجابي منه وهو تحقيق الأمن والسلم في العالم. عدم تكرار أخطاء الإدارة الأميركية السابقة في تعاملها مع إيران. وعدم التوقيع على التزام إيران بالاتفاق النووي. وتتضمن الاستراتيجية أيضاً: إرسال الاتفاق من جديد للكونجرس لمراجعته خلال شهرين، وفي حال عدم تعديله يتم الانسحاب من الاتفاق النووي. وتقوم الخزانة الأميركية بفرض مزيد من العقوبات على «الحرس الثوري».

من خلال الاستراتيجية التي تم الإعلان عنها يتضح للقارئ الكريم تجنب الإدارة الأميركية الانسحاب من الاتفاق النووي، وترك المجال للكونجرس لمراجعة الاتفاق، وبالتالي محاولة الحصول على مصداقية وشرعية أكبر لإدارة ترامب في الداخل الأميركي، على اعتبار أن القرار اللاحق قد جاء بناءً على دراسة من عدة جهات. وبما أن إدراج «الحرس الثوري» بوصفه تنظيماً إرهابياً يعتبر قراراً معقداً وعواقبه ربما تؤثر سلباً على إدارة ترامب، يلاحظ تجنب ترامب لذلك الأمر في مقابل الاستمرار في فرض عقوبات تفرض من قبل الخزانة الأميركية.

يتساءل القارئ عن أصداء استراتيجية ترامب على بقية دول 5+1، ونقول إن الموقف الغربي جاء سريعاً ومباشراً في اعتراضه على موقف إدارة ترامب من الاتفاق والتأكيد على التزام بقية دول 5+1 بالاتفاق النووي، وقد تجلى ذلك من خلال بريطانيا وفرنسا وألمانيا بإصدار بيان تؤكد فيه على أن الاتفاق النووي يخدم مصالحها القومية. الاتصال المباشر بعد كلمة ترامب الذي تلقاه وزير الخارجية الإيراني من نظيره الروسي يؤكد مضي موسكو قدماً في الالتزام بالاتفاق النووي، كما أن إعلان الرئيس الفرنسي ماكرون زيارته لإيران السنة القادمة تصب في سياق المحافظة على المصالح الاقتصادية والاتفاقيات الضخمة التي وقعت مع إيران.

لم يتوقف الأمر عند ذلك فحسب، بل أكدت منسقة الشؤون السياسية في الاتحاد الأوروبي أن الاتفاق ذي طابع دولي ولا يمكن إلغاؤه من قبل دولة واحدة، وجاءت الوكالة الدولية للطاقة النووية لتعزز ذلك الموقف بإعلانها التزام إيران بالاتفاق النووي. كيف هو استشراف المستقبل لهذه الاستراتيجية، يتساءل القارئ.

إعلان الاستراتيجية الشاملة للتعامل مع إيران في وقت مراجعة مدى التزام إيران بالاتفاق النووي، جعل الدول الغربية تركز فقط على الاتفاق النووي، ولم تكترث لقضايا أخرى مقلقة لها من قبيل البرنامج الصاروخي والسلوك الإيراني في المنطقة. تلعب المصالح الاقتصادية دورها الكبير في موقف الدول الغربية من استراتيجية ترامب، كما يلاحظ الجهد الدبلوماسي الذي قام به النظام الإيراني خلال الأيام التي سبقت كلمة ترامب، حيث ظهر ذلك من خلال تصريحات المسؤولين الغربين قبل وبعد إعلان ترامب استراتيجيته. ولذا فإن تأييد كل من السعودية والإمارات والبحرين لاستراتيجية ترامب لا بد وأن يلازمها تحرك دبلوماسي تجاه الدول الغربية لإيضاح الموقف الحقيقي من الاتفاق، وأهمية أن يكون اتفاقاً شاملاً يمنع إيران من الحصول على السلاح النووي مستقبلاً، وكذلك وضع الحقائق أمام تلك الدول عن حقيقة التدخلات الإيرانية في المنطقة.

ويجب أن نتذكر على الدوام أن للعامل الاقتصادي دوره في توجيه السياسة، وهذا ما يمارسه النظام الإيراني، ويتجلى تأثيره بصورة واضحة، فهل مصالح الغرب وتحديداً الدول الغربية في مجموعة 5+1 في إيران أكثر من دول الخليج والعالم العربي؟ بقي على دول المنطقة ممارسة حقها في استخدام جميع أدواتها بما فيها الاقتصادية للتأكيد على مصالحها وعلى السلم والاستقرار في المنطقة.

سؤال يستحق التمعن مؤداه: هل الغرب لديه اطمئنان واسترخاء تام على مصالحه في دول الخليج، بحيث لا يستشعر خطر السلوك الإيراني في المنطقة وتهديده لدولها وأن والأهم لديه مصالحه في إيران؟

إذا كان الأمر كذلك فهل نلقي اللوم على هذه الدول أم علينا نحن نتيجة إيصال الشعور بالطمأنينة المطلقة لهم؟

الإجابة لدى القارئ الكريم.