حمد الكعبي
في فبراير عام 2016 أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن تشكيل وزاري جديد، شهد استحداث بعض الوزارات التي كانت حديث الساعة كالوزارة المعنية بالسعادة وجودة حياة المجتمع، وربما اعتبر بعض المراقبين، ذوي التفكير النمطي التقليدي، أن مثل هذا النوع من الوزارات والمسميات ليس إلا ضرباً من الطموح أو حتى الخيال. ولعل بعض المراقبين ربما تساءل أيضاً عن طبيعة المهام التي ستقدمها وزارة مختصة لإسعاد الشعب، في حين أن البعض الآخر من الخبراء والسياسيين، ذوي الأفق الواسع والصفة العلمية الرصينة، اعتبروها خطوة جبارة نحو تعزيز الثقة في المجتمع وترسيخ الروح الإيجابية في كافة مناحي الحياة، وتجنيب المجتمع كل ما من شأنه تعكير الجو العام، سواء كان معاملات، أو خدمات، أو متطلبات حياتية، أو تعاملات بين أفراد المجتمع الواحد.
ومثل ذلك أيضاً بعض الوزارات التي تم تشكليها آنذاك، المعنية بالشباب والتغيير المناخي والتسامح، وقد حققت جميعها في ظل فترة زمنية وجيزة جداً، أقل من سنتين، إنجازات ونتائج أبهرت العالم كله، ولاسيما وزارة الشباب التي استطاعت تأسيس مجالس للشباب في مختلف الإمارات، وناقشت معهم التطلعات المستقبلية التي يطمح إليها شباب الوطن وصناع مستقبله.
وبعد أقل من سنتين جرى تعديل آخر في مجلس الوزراء ضم أيضاً وزارات أخرى مكملة للفكرة الأساسية التي تبنتها دولة الإمارات بالاستثمار في الإنسان الإماراتي، والرهان على التعليم الذي يقود الأمم للوقوف على شرفة المستقبل، وينقلها من التفكير في أعباء الحاضر إلى التخطيط لآفاق المستقبل، ويرسم لها خريطة طريق للتفوق والتألق في المجالات كافة .
ولعل تخصيص وزارة مختصة بالذكاء الاصطناعي هو أبرز الأمثلة على الحرص الشديد من القيادة الرشيدة على تحقيق الاستثمار الأمثل في التقنيات والبرمجيات، فالعالم أنتج خلال السنتين الماضيتين 90% من إجمالي البيانات التي هي بين أيدينا اليوم، مما ساهم في إحداث ثورة في عالم الذكاء الاصطناعي، وزاد فعالية تعلم الآلات لأكثر من 50 ضعفاً، وجعل السيارات تقود ذاتها لمئات الملايين من الأميال. وهذه الثورة ستشكل فرصة وتحدياً، في الوقت نفسه، إذ إنها ستقلص فرص العمل في الاقتصادات المتقدمة بنسبة 50%. كما أن وفرة البيانات هذه والانتشار الواسع لتكنولوجيا المستقبل، انعكسا أيضاً على الكثير من المجالاتِ الحيوية، ففي مجال الطب انخفضت تكلفة التسلسل الجيني 10 آلاف مرة خلال الـ15 سنة الماضية، لتصبح متاحة لعدد أكبر من سكان العالم، وتعيد ابتكار خدمات القطاع الطبي وتقدم وعوداً لسكان الأرض بأن يرتفع مؤمل الحياة، بحيث يحتفلون بأعياد ميلادهم الـ120، وهم يتمتعون بصحة وحيوية. ولعل من النتائج المتوقعة من ذلك أن تصل قيمة الاستثمار في قطاع الذكاء الاصطناعي إلى نحو 15 تريليون دولار بحلول عام 2030، ويساهم بزيادة في الناتج المحلي الإجمالي للدولة بنسبة تصل إلى 35%، كما أنها أيضاً تساهم في تخفيض تكاليف الحكومة بنسبة 50%، وستكون نسبة الجاهزية ضد المخاطر الاقتصادية المفاجئة بنسبة 90%.
كما ركزت أيضاً رؤى القيادة الرشيدة على أحد أبرز الملفات الحيوية التي تكتسي أهمية بالغة على المستوى العالمي وهو الأمن الغذائي، فهذا الموضوع ليس وليد اللحظة وهو همّ المجتمعات والشعوب منذ الأزل، فالمجتمعات التي تعمل على تأمين قـُـوتها تسير بجدية وخطى واثقة نحو المستقبل. وقد وضعت الإمارات ملف الأمن الغذائي نصب عينيها، ولم يأتِ هذا الأمر من فراغ، وإنما جاء نتيجة إدراكها التام لحقيقة أن الأمن الغذائي جانب رئيسي من عمليات التنمية والاستقرار في المجتمعات المعاصرة. إن خريطة الإنتاج واتساع الفجوة الغذائية العالمية يوضحان حجم هذا التحدي على صعيد دولي، إذ تظهر الإحصائيات أن هناك 795 مليون شخص حول العالم، أي ما يعادل فرداً واحداً من كل 9 أفراد، لا تتوافر لهم حصص غذائية كافية بشكل يومي، الأمر الذي جعل الإمارات تضع ملف الأمن الغذائي ضمن سُلم الأولويات، وتتعامل معه بما يستحقه من اهتمام كبير. كما أن الدولة أرادت أيضاً أن تبحر في فضاء العالم بتطلعاتها والوصول إلى المريخ، فوضعت العلوم المتقدمة ضمن التشكيل الوزاري، حتى تعمل من الآن لتجسيد تطلعات القيادة وتحقيق هدفها نحو الوصول إلى الكوكب الأحمر ضمن الخطة الزمنية المحددة. إن التعديلات الوزارية ليست مجرد رفاهية بقدر ما هي تحديد للأولويات واستعداد مدروس لما هو آت، والعمل بالتركيز والتخطيط وبُعد النظر لبلوغ الأهداف المحددة، وتحديد مسار العمل والإنجاز والإنتاج الذي نطمح إليه، والمكاسب الكبيرة الكثيرة التي حققناها، وتلك التي نسير الآن على طريق تحقيقها بخطى واثقة وإرادة صادقة، وبخطط قيادتنا الرشيدة التي هي وصفة مضمونة لكل تألق ونجاح.
التعليقات