وحيد عبد المجيد 

ليس مفاجئاً التحول الذي أحدثه الرئيس دونالد ترامب في السياسة الأميركية تجاه إيران. تبنى ترامب موقفاً حازماً تجاه طهران خلال حملته الانتخابية، ووجّه انتقادات حادة لسياسة إدارة باراك أوباما لأنها قدمت تنازلات من أجل توقيع اتفاق مع طهران، وتغاضت عن توسع نفوذها وتهديدها الاستقرار في الشرق الأوسط. وتناول كاتب السطور موقف ترامب هذا في مقالته المنشورة هنا يوم 1 مارس الماضي بعنوان «إدارة ترامب وإيران»، وخلص إلى أن أي تغيير حقيقي في سياسة واشنطن الشرق أوسطية يبدأ من موقفها تجاه إيران.

ورغم أن ترامب لم يعلن في خطابه يوم 13 أكتوبر الجاري انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الذي كرر مرات أنه سيئ جداً، واكتفى برفض التصديق عليه، والطلب من الكونغرس معالجة الثغرات الواردة فيه خلال شهرين، فقد اتخذ خطوة لا تقل أهمية، وهي الربط بين برنامج إيران النووي وسياستها التوسعية في الشرق الأوسط، واعتبرها أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم.

ولعل أهم ما تنطوي عليه هذه الخطوة هو إنهاء ازدواجية المعايير في السياسة الأميركية تجاه الإرهاب، ومراجعة الموقف تجاه المنظمات والجماعات التابعة لإيران، وأذرعها الإقليمية في بعض بلدان المنطقة.

ولعلها المرة الأولى التي تتعامل فيها واشنطن مع الإرهاب في العالم وفق معيار واحد. وهذا تطور مهم في سلوك ترامب السياسي أيضاً، لأن تاريخه الطويل في العمل في مجال الأعمال يدفع إلى تقديم المصالح على المبادئ. وكان هذا واضحاً في مواقف ترامب منذ حملته الانتخابية، عندما ركز على أن «أميركا أولاً»، أي أن مصالحها مُقدَّمة على أي مبدأ. غير أن وعي ترامب بالعواقب الوخيمة لتوسع نفوذ إيران في الشرق الأوسط مكنه من الربط بين مصلحة الولايات المتحدة في وقف هذا التوسع، وبين مبدأ التعامل مع الإرهاب بمعيار واحد.

ضربت إدارة أوباما عرض الحائط بهذا المبدأ، دون أن تعي أنها تضرب المصالح الأميركية على المدى الطويل في مقتل. تصور أوباما أن هذه المصالح لا تتأثر بالتخلي عن أهم حلفاء للولايات المتحدة في العالم العربي، وتراجع الثقة فيها، والتقرب إلى إيران والتوصل إلى اتفاق معها بأي ثمن. وتصرف فعلياً على أساس أن الغاية تبرر الوسيلة، وأراد الاعتماد على إرهاب تُدعِّمه إيران في مواجهة إرهاب «داعش». لم يدرك، وربما لم يرغب في إدراك، أن الإرهاب الذي ترعاه إيران سيُهدِّد الولايات المتحدة بعد أن يكمل أداء وظيفته في الشرق الأوسط. ولم يعرف أن تركز نشاطات منظمات إيران المسلحة في المنطقة في المرحلة الراهنة ليس إلا سلوكاً تكتيكياً تفرضه متطلبات توسعها الإقليمي.

أغفلت إدارة أوباما تاريخ التهديد الإيراني للولايات المتحدة. لذلك ربما قصد ترامب تذكير الأميركيين بهذا التاريخ بداية من محاصرة سفارة الولايات المتحدة لدى طهران في بداية الثورة الخمينية عام 1979 على وقع هتافات «الموت لأميركا»، وصولاً إلى التنسيق مع تنظيم «القاعدة» وإيواء بعض قادته وعناصره المطلوبين عقب هجمات سبتمبر 2001. وتبدو «مذكرة الوقائع» التي أصدرها البيت الأبيض في أربع صفحات قبيل خطاب ترامب محددة ووافية في هذا المجال.

لقد بدأت مرحلة جديدة في السياسة الأميركية يمكن أن تُغيِّر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، بعد ما بدا أن إيران أمسكت بأطرافها، ولا يقلل أهمية هذا التحول عدم انسحاب واشنطن من اتفاق البرنامج النووي، ما دام لا يوجد بديل فوري يتلافى أوجه قصوره المتعددة، وأهمها أنه لا يحل المشكلة، بل يؤجلها، وأن عدم إخضاع منشآت عسكرية غير نووية للمراقبة يمثل ثغرة كبيرة فيه، فضلاً عن عدم وجود عقوبة رادعة في حالة إقدام إيران على انتهاكه، كما أن انسحاباً أميركياً من دون هذا البديل يعطي إيران ذريعة لاستئناف إنتاج اليورانيوم المُخصَّب. وهي لا تحتاج سوى إلى أسابيع قليلة لرفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20%.

والمتوقع الآن أن تتفاوض الولايات المتحدة مع شركائها في اتفاق البرنامج النووي للتفاهم على ما يمكن فعله بطريقة جماعية في الفترة المقبلة، فيما سيكون العراق مسرحاً لأول اختبار كبير لسياستها الجديدة تجاه إيران، فالأرجح أن طهران ستجد في الانتخابات البرلمانية المقررة في أبريل القادم فرصة للحصول على مزيد من النفوذ عبر التأثير في نتيجتها. لذا ستكون هذه الانتخابات ساحة صراع أميركي إيراني حول مستقبل العراق.