كريستيان كارل

هنا في الولايات المتحدة لدينا أشياء كثيرة لنفكر فيها. فقد اختير جاستن تيمبرليك ليغني في مباراة «السوبر باول»، وإحدى الشخصيات الشهيرة التي لا أستطيع تذكر اسمها أبداً رفعت دعوى قضائية ضد عائلة كارداشيان، ورئيس الولايات المتحدة يتبادل الشتائم مع نائبة عضو في الكونجرس. ولعل الأفضل على الإطلاق هو ارتفاع سوق الأسهم إلى مستويات جديدة.

وبعيداً عنا، في الجانب الآخر من العالم، يقرفص 600 ألف شخص في الوحل مرتعدين خوفاً، ويحكون القصص نفسها حول كيف أُطلقت النار عن قرب على أحد الأزواج أو الآباء أو الإخوان، أو كيف تم اغتصاب إحدى الأمهات أو الأخوات أو البنات، أو ألقي بأحد الأطفال في النار حياً.. قصص مكررة عشرات الآلاف من المرات. لقد أُجبروا على الرحيل عن ديارهم من قبل الجنود الذين سخروا منهم وضربوهم، بعد أن أحرقوا منازلهم ودمروا قراهم. أما الهدف من حملة الرعب هذه التي ترعاها الدولة البورمية، لأن هذه هي الحقيقة، فهو دفعهم إلى عبور الحدود إلى بلد مجاور هو بنغلاديش التي لا تستطيع في الواقع إيواء مئات الآلاف من اللاجئين، نظراً لأنها في الأصل من أفقر البلدان في العالم. ومع ذلك ثمة الآن ما يناهز مليون شخص من الروهينجا يعيشون حالياً كلاجئين في بنغلاديش، 600 ألف منهم وصلوا منذ أغسطس الماضي.

مسلسل الرعب ما زال متواصلاً، رغم أنه لم يتبق الكثير من الروهينجا ليتم إرعابهم، وهو ما يدفع بعضنا، نحن الذين نتابع هذا الوضع، إلى طرح سؤال بسيط: ألم يحن الوقت بعد لاستخدام كلمة «إبادة جماعية»؟

إن الشعب الذي أتحدثُ عنه هو الروهينجا، الذين يشار إليهم أحياناً باعتبارهم «الشعب الأكثر تعرضاً للاضطهاد على وجه البسيطة». فحكومة البلد الذي كانوا يعيشون فيه، المعروف بميانمار (أو بورما سابقاً)، تكرههم لدرجة أنها بدأت تجرّدهم من الجنسية منذ 35 عاماً. وأتذكّر الكثير من الأشخاص من ميانمار وهم يقولون لي، خلال آخر زيارة لي إلى هذا البلد قبل بضع سنوات، إن الروهينجا مجرد هوام وطفيليات، وليسوا بشراً بالمعنى الحقيقي للكلمة. وعلى كل حال، ألم أكن أعرف أن لديهم بشرة داكنة حقاً؟ وأنهم مسلمون، ليسوا مثل البوذيين الذين يشكّلون الأغلبية، والذين كانوا، عموماً، أكثر غنى وتمدناً؟

الواقع أن الروهينجا ليس لديهم أصدقاء كثر في الوقت الراهن، لكن ذلك له علاقة بالحسابات الجيوسياسية أكثر منه بالصفات الشخصية أو الثقافية المتخيَّلة. فالصينيون (الذين يدعمون جيش ميانمار) والروس (الذين يرغبون في استغلال موارد البلاد الطبيعية) لا يكترثون لحقوق الروهينجا الإنسانية. والأوروبيون الذين لا يريدون إغضاب أي أحد، قد يرسلون رسالة قوية اللهجة أو رسالتين.

لتبقى بذلك الولايات المتحدة، كالعادة، محط الأنظار. أجل، إنني أستطيعُ سماع بعض مواطنيَّ الأميركيين يرفعون عقيرتهم للاحتجاج: إنها بلاد أخرى بعيدة تحاول جرّنا إلى مشاكلها. لكن الأمر لا يتعلق بإرسال الجيش أو العلوق في حرب، بل برفع صوتنا بكل قوة حتى يسمعه الجميع في هذا العالم. فالولايات المتحدة تستطيع المطالبة بعقوبات وتنسيقها ضد جيش ميانمار وحكومتها، وتستطيع تنسيق الضغط في المنظمات والهيئات الدولية، وتستطيع إبداء معارضة مرئية للمسؤولين عن هذه الأعمال وتقديم دعم حقيقي للاجئين.

إننا نفخر دائماً أننا – نحن الأميركيين – بكلامنا الصريح والمباشر. فماذا لو خرجت الولايات المتحدة وصنّفت رسمياً ما يحدث للروهينجا في ميانمار بوصفه «إبادة جماعية»؟ هذا الأمر يمكن أن يغيّر الكيفية التي تناقش بها بقية دول العالم الأزمة الإنسانية في ميانمار. فالإبادة الجماعية تعرَّف بأنها «خطة منسقة لأعمال مختلفة تهدف إلى تدمير الأسس الرئيسية لحياة مجموعات قومية، وذلك بهدف إبادة المجموعات نفسها».

وهذا وصف جيد لسياسة الدولة البورمية الحالية تجاه الروهينجا. فالآلاف، وربما عشرات الآلاف، قُتلوا هناك، ذلك أننا لا نعرف عددهم بشكل دقيق، نظراً لأن حكومة ميانمار لا تسمح للشهود المستقلين بدخول المنطقة.

إن ما هو واضح للغاية هو أن جيش ميانمار يبذل قصارى جهده لطرد هؤلاء الأشخاص الفقراء الذين لا دولة لهم غير ميانمار من قراهم وبيوتهم وعدم السماح لهم بالعودة إليها أبداً. وعندما يحدث ذلك، فإن أسس حياة الروهينجا في ميانمار ستكون قد زالت. وسيوزَّع لاجئوهم على الدول التي تستضيفهم، لكن حياتهم في ميانمار ستكون قد تجاوزت أي إمكانية لإعادة البناء.

هل هذا شيء ينبغي للولايات المتحدة، على الأقل، أن يسجّل التاريخُ معارضتها له؟

لكني أفهم الوضع بالطبع. فنحن في أميركا لدينا الكثير من الأشياء الأخرى المهمة لنركز عليها: المباراة المقبلة، الهاتف المقبل، الحلقة المقبلة من برنامجنا التلفزيوني المفضل.. فلماذا ينبغي أن نشغل بالنا بأشياء تحدث في بلاد بعيدة، لشعوب لا نعرفها؟ أليس من حقنا ألا نتعرض للإزعاج؟

صحفي أميركي وزميل معهد ليجاتوم في لندن

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»