أكد الرئيس اللبناني ميشال عون أن «الوحدة الوطنية تبقى الأساس للحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد، وكل الجهود يجب أن تنصب على الحفاظ على هذه الوحدة، لا سيما في الظروف الدقيقة التي يمر بها الوطن».

ولفت عون خلال ترؤسه اجتماعاً أمنياً وقضائياً أمس، إلى أن «تجاوب القيادات السياسية التي اتصل بها بعد إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته مع ضرورة اعتماد التهدئة، ساهم في المساعدة على معالجة الوضع الذي نشأ بعد الاستقالة، وسيمكّن من إيجاد الحلول المناسبة للوضع السياسي الراهن». وطلب من «القيادات الأمنية البقاء على جاهزية ومتابعة التطورات بعناية وتشدّد، لا سيما ملاحقة مطلقي الإشاعات الذين نشطوا خلال الأيام الماضية بهدف إحداث بلبلة». كما طلب من «الأجهزة القضائية التنسيق مع الأجهزة الأمنية لمواكبة الإجراءات المتَّخذة للحفاظ على الاستقرار العام»، مشدداً على «دور وسائل الإعلام في عدم الترويج للإشاعات وكل ما يسيء إلى الوحدة الوطنية والسلامة العامة».

وحضر الاجتماع وزراء الدفاع يعقوب الصراف، الداخلية نهاد المشنوق، العدل سليم جريصاتي، المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، المدعي العام العسكري القاضي بيتر جرمانوس، قائد الجيش العماد جوزف عون، المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، مدير المخابرات في الجيش العميد الركن أنطوان منصور ورئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد خالد حمود. كما حضر الاجتماع المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير والمستشار الأمني والعسكري لرئيس الجمهورية العميد المتقاعد بولس مطر.

وقدَّم القادة الأمنيون تقارير عن الوضع الأمني، والإجراءات والتدابير المتَّخذة للحفاظ على الاستقرار.

وأوضح جريصاتي أن «الاجتماع جاء استكمالاً للاتصالات التي بدأها الرئيس عون بعد إعلان الرئيس الحريري من الخارج استقالة الحكومة». ونقل عن عون تأكيده خلال الاجتماع أن «تجاوب القادة السياسيين كافة مع جوّ التهدئة يساعد في الحفاظ على الاستقرار الأمني».

وأشار جريصاتي إلى أن «القادة الأمنيين قدموا تقارير أمنيّة مشجّعة ومواكبة لإعلان استقالة الرئيس الحريري من الخارج، والتي بيّنت أنه لم يُسجّل أي حادث أمني غير مألوف أو غير اعتيادي في الساعات والأيام الأخيرة»، لافتاً إلى أن عون شدد على «ضرورة تأمين الجاهزية الكاملة قضائياً وأمنياً لمتابعة التطورات والتنسيق بين الأجهزة».

ونقل عن عون تأكيده «استمرار الاتصالات مع القيادات السياسية لمعالجة الوضع الذي نشأ نتيجة إعلان هذه الاستقالة من خارج لبنان». وكشف أن «الأمر المهم في اجتماع اليوم هو أن التَّنسيق الأمني- القضائي على أكمل وجه، وعون ممسك بناصية القرار، وشدد على أن الاستقرار السياسي والأمني والمالي والاقتصادي في لبنان خط أحمر». ولفت إلى أن «ما كان مشجعاً هو ما استمع إليه رئيس الجمهورية من قادة الأجهزة الأمنية بأن أجواء التهدئة التي أشاعها عبر اتصالاته المكثفة مع القادة السياسيين ترجمت على الأرض هدوءاً ملحوظاً ومسؤولاً».

وعن إمكان وجود اتصالات مع أجهزة أمنية خارجية للتأكد من معلومات لديها حول محاولة اغتيال الحريري، بعد نفي الأجهزة الأمنية اللبنانية المعلومات التي تحدثت عن ذلك، أجاب: «لم يؤكد أي جهاز أمني أي معلومة تتعلق بمحاولة اغتيال الحريري، بل على العكس، قرأتم بيانات عن الأجهزة المعنية، تشير إلى عدم حصول أي محاولة اغتيال للرئيس الحريري عبر الأمن الموثّق».

وعن اعتبار الاستقالة التي قدمها الحريري من خارج لبنان، دستورية وسيادية، أجاب: «عندما يكون رئيس حكومتنا خارج لبنان، فإن عون لن يقدم على خطوات من شأنها الاجتهاد في موضوع الاستقالة». وأضاف: «رئيس الجمهورية قال منذ اليوم الأول إنه ينتظر عودة الرئيس الحريري ليستمع منه شخصياً إلى ظروف هذه الاستقالة. وهذا يدل على رؤية وتوجه سيادي، وعلى رغبة الرئيس عون بعدم الاستفراد بقرار، طالما أن الوقت متاح للاجتماع بالرئيس الحريري».

وعن الوقت الذي ينتظره عون، خصوصاً أن موعد عودة الحريري إلى لبنان ليس واضحاً بعد، أجاب: «فهمنا من الرئيس عون أن كل الأمور واضحة لديه و «مبرمجة»، وأنه لن يستفرد بأي قرار قبل الاستماع إلى ظروف الاستقالة من الحريري». وأوضح جريصاتي أن «الاجتماع ليس للرد على أي تصريح صدر عن أي مسؤول سعودي، فموضوع الاجتماع هو أمني قضائي سيادي لبناني».

لكل حادث حديث

وتقول مصادر مطلعة لـ «الحياة» إن «ما قاله الرئيس الحريري للرئيس عون عندما سأله عن موعد عودته إلى لبنان خلال اتصال الحريري به السبت، هو إنه ربما يعود خلال ثلاثة أو أربعة أيام». وأكد أنه «لم يحصل أي اتصال بينهما بعدها».

ويربط الرئيس عون، وفق مصادر مطّلعة، البت بالاستقالة بـ «معرفة أسبابها الحقيقية من الرئيس الحريري لأنه خلال الاتصال لم يبين له الأسباب». وعليه لا يبدو الرئيس مستعجلاً على «إجراء الاستشارات النيابية لتسمية رئيس جديد وليس هناك من نص يلزمه بشيء في هذا الخصوص، وإذا لم يعد الحريري إلى لبنان وعرف عون أسباب استقالته فعندها لكل حادث حديث». وتضيف: «لن يتكلّم الرئيس بموضوع مرحلة ما بعد الاستقالة الآن وما زالت الرئاسة تعتبره رئيس حكومة فعلياً».

ورداً على سؤال قالت المصادر إن من «المبكر الحديث عن رئيس حكومة يرضى عنه السنّة في لبنان فربما لا يزال الرئيس عون يراهن على إمكان إقناع الحريري بالتراجع عن استقالته، وبكل الأحوال لا استشارات نيابية، لا تشكيل حكومة قبل معرفة الأسباب والبت بالاستقالة». وتصف المصادر الوضع بأنه «حال انتظار». لكن هذه الحال لا تعني وقف عمل الدولة، خصوصاً في المجالات الأمنية. وتشير المصادر إلى «الارتياح الذي يسود بأن لا حوادث خارج عن المألوف في اليومين الماضيين». وإضافة إلى الهم الداخلي والاتصالات التي أجراها عون مع بعض الرؤساء العرب، تشير المصادر إلى أن عون أجرى اتصالات لم يُعلن عنها مع رؤساء آخرين يمكنهم أن يساعدوا لبنان على تخطي هذه المرحلة. وأكدت أن «لا شيء يدعو إلى القلق، لا سيما أن الاجتماعات الأمنية والقضائية ستبقى مفتوحة».

وبعد ظهر أمس، ترأس الرئيس عون اجتماعاً مالياً حضره وزير المال علي حسن خليل، ورئيس «لجنة المال والموازنة» النيابية النائب إبراهيم كنعان، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس جمعية المصارف جوزف طربيه. وجرى عرض «الوضع المالي مع بداية الأسبوع بعد التطورات السياسية التي نتجت من استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، والإجراءات التي اتخذت للحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة في مقابل العملات الأجنبية»، وفق بيان وزّعه مكتب الإعلام في القصر الجمهوري.

ارتياح للتقارير المالية

وأعرب عون عن ارتياحه إلى التقارير المالية التي تلقاها أمس، عن الحركة الطبيعية للأسواق المالية في البلاد مع بداية الأسبوع، داعياً إلى «المزيد من التنسيق بين وزارة المال وحاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف، بهدف الحفاظ على الاستقرار المالي في لبنان».

وأوضح خليل أن «الاتصالات السياسية في البلد عكست جواً من الاطمئنان إلى حركة السوق المالي». وأكد أن «انطباعاتنا جيدة ومقبولة، والتقديرات أن لبنان من خلال مؤسساته المالية قادر على استيعاب كل التطورات التي حصلت». وشدد على أن «الدولة قادرة على تمويل نفسها وإدارة هذه العملية وفق الآليات الدستورية والقانونية، وهناك تنسيق وثيق بين وزارة المال ومصرف لبنان وجمعية المصارف».

ولفت في دردشة مع الإعلاميين إلى أن «مدير مكتب الرئيس الحريري، نادر الحريري، اتصل بالحريري قبل لقائه الملك سلمان بن عبدالعزيز وبعده».

ولفت طربيه، إلى أن «الأسواق المالية كانت هادئة، وهو أمر مرده إلى حسن إدارة الأزمة السياسية، وتفاعل الفرقاء بصورة إيجابية للتعاطي معها بطريقة مسؤولة». وقال: «إمكاناتنا وإمكانات المصرف المركزي وحسن إدارة الشؤون المالية، تسمح بإبقاء الأوضاع مستقرة، وحافظت الليرة اللبنانية على قوتها الشرائية واستقرارها منذ عام 1993 وحتى اليوم، وليس هناك من سبب لإطاحة هذا الاستقرار بعد هذا الثبات الطويل». وطمأن إلى أنه «لم يحصل أي تهافت على الدولار، والأسواق استمرت في عملها المعتاد، كما أن لبنان حافظ على الحريات الاقتصادية الأساسية (تحويل الأموال والعملات)، ولا نرى بالتالي أي سبب من أجل خوف أي مودع في القطاع المصرفي».

وعن معلومات عن حصول تحويلات مالية تصل قيمتها إلى 500 مليون دولار، أجاب: «كلا، هذا الأمر غير صحيح، ليس هناك من تحويلات ضخمة، وأي أرقام غير صادرة عن المصرف المركزي هي مدسوسة وغير صحيحة».

وأكد النائب كنعان أن «إقرار الموازنة أمر جيد لمضاعفة الثقة محلياً ودولياً وليس هناك أي مشكلة في الاعتمادات أو الإدارات والوزارات. وهذا أمر يضاف إلى كل المؤشرات الإيجابية الأخرى».