محمد علي فرحات
لا زحمة سير في بيروت هذه الأيام، ترى الشوارع الرئيسية شبه فارغة وتسمع شكاوى سائقي «التاكسي». ذلك علامة أزمة. السياسيون يتقاطرون للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون ولزيارة مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان. كثير من الرصانة والكلام الجامع ودعوات إلى الانتظار.
ولن يقوى السياسيون على الانتظار طويلاً. إنها ساعة الحقيقة. فالمملكة العربية السعودية تفاقم استياؤها من النتائج المخيّبة لصفقة انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية ليتعاون مع سعد الحريري رئيساً للحكومة للحد من تأثير «حزب الله» الطاغي في القرارين السياسي والأمني. وكيفما كانت نتيجة استقالة الحريري المفاجئة وظروفها، يبدو أن السعودية حسمت أمرها، خصوصاً بعد سقوط الصاروخ الحوثي- الإيراني قرب مطار العاصمة، وقالت إنها لن تستطيع الفصل بين الإدارة السياسية اللبنانية و «حزب الله»، إذا لم تعمد هذه الإدارة إلى منع الحزب من استهداف أمن المملكة، فكأنه يتخذ من لبنان منصة لإعلان الحرب على السعودية.
للمرة الأولى في تاريخ العلاقات اللبنانية- السعودية، يُتّهم أهل الحكم في بيروت بالمشاركة، أو بغض النظر، عن حرب تشن من بلدهم على المملكة. إنه مأزق لا يمكن تجاوزه بالانتظار والتأجيل، إنما بالمسؤولية وبمواجهة سياسية تلتزم القانون اللبناني والقانون الدولي.
تلك المهمة الصعبة لكن الضرورية وطنياً وعربياً ودولياً، مطلوبة من السياسيين اللبنانيين في مختلف أطيافهم لئلا يدفع الوطن الصغير أثمان حروب الداخل العربي، بعدما ساد الاعتقاد بأنه نجا من جحيمها. وتبدأ المهمة بإدراك «حزب الله» أنه مهما بلغ من قوة في قتاله العربي، فهو في لبنان كيان سياسي ضعيف، لأسباب بنيوية وميثاقية واقتصادية وثقافية، وإنه في أقصى امتداداته لن يتعدى الضغط على قرار الطائفة الشيعية التي تمثّل قسماً من الشعب اللبناني لا غالبية هذا الشعب.
الغضب السعودي يحظى بتفهّم عربي ودولي، فضلاً عن أن اللبنانيين لا يرغبون في تجديد حربهم الأهلية من أجل أهداف «حزب الله» الإيرانية، فيكفيه أنهم قبلوه مقاوماً لإسرائيل وشريكاً سياسياً في البرلمان، وأحياناً في الحكومة. وحتى مناصرو مقاومة إسرائيل لم يتقبّلوا مشاركته العسكرية، خصوصاً في وسط سورية وشرقها وفي العراق، وأطيافه الملحوظة في مشكلات البحرين واليمن.
لا ينفع الانتظار، فالنتيجة واحدة: الدولة التي ساعدت اللبنانيين في الخروج من حربهم الأهلية الطويلة وعقدوا على أرضها «اتفاق الطائف»، ها هي تحمّل دولتهم مسؤولية ضبط «حزب الله» وتطلب ذلك في شكل حاسم. ولن يجد اللبنانيون دولة تتوسّط مع السعودية لتأجيل استحقاق الضبط. إنه المأزق، ولنقل إنه استدعاء المسؤولية السياسية عن لبنان وشعبه، وهي مطلوبة من سياسيين منتخبين وليس من دول تتوسط لتأجيل المشكلة.
أليس في إمكان السياسيين اللبنانيين الطلب من «حزب الله» التراجع إلى حدوده الدنيا في الشأن اللبناني الداخلي والامتناع عن المشاركة عسكرياً وإعلامياً في الشأنين اليمني والبحريني، باعتبار أن سورية صارت في عهدة روسيا والعراق شراكة أميركية- إيرانية؟
هذا الطلب ممكن التحقُّق إذا أصر السياسيون عليه من أجل شعبهم، وإلاّ فإن «حزب الله» سيذهب بلبنان إلى المصير الذي رسمته «حماس» لغزة. حصار لا يليق بوطن يتنفس أهله الانفتاح على العرب والعالم ويعتبرونه صنو وجودهم.
التعليقات