سمير عطا الله
لا يزال «المحللون السياسيون» يحللون، وما زالت الأحداث تقع في مكان آخر. ثمة عداء مزمن بين بعض «المحللين» وبين كثير من الأشخاص، حتى لتبدو المسألة شخصية أحياناً. على سبيل المثال، كان هناك فريق من الخبراء عام 2011 يؤكد أن المسألة السورية سوف «تنتهي خلال أسبوع. على الأكثر أسبوعين».
في لبنان اختلط المحللون والمنجمون على الشاشات والتوقعات، وانصرف الشعب إلى تدوين المواعيد. ومذ كنت طفلاً وأنا أسمع بين حين وآخر أن هناك من يتوقع نهاية العالم (كله) في ساعة محددة من صباح يوم محدد. والحمد لله أنهم يكذبون.
وقبل سنوات كنا في نيويورك. وكان مع بعض الأصدقاء سائق مصري يؤكد أن إعصاراً مبيداً سوف يمحو المدينة في التاسع عشر من ذلك الشهر. وقد حاولت أن أقنع السائق بأن يقنع الإعصار بأن يؤخر مجيئه إلى ما بعد سفرنا. الأحداث الأقل توقعاً عند المنجمين كانت اندلاع الحرب العالمية الأولى، والثورة البلشفية، وسقوط الاتحاد السوفياتي. هتلر لم يأخذه أحد على محمل الجد. وعندما هاجمت ألمانيا الاتحاد السوفياتي عام 1941، توقع المحللون سقوطه خلال أسابيع قليلة، فكان أن قاتل أربع سنوات، وأثبت أنه أقوى جيوش العالم. وفي الثلاثينات، كان الجيش الفرنسي يُعتبر الأقوى في أوروبا، لكنه انهار أمام النازيين سريعاً عام 1940.
ولكن ألا يصح شيء من الأبحاث والدراسات والتوقعات المبنية عليها؟ بلى. الكثير منها. كان المفكر الفرنسي ألكسيس دو توكفيل في أوائل العشرينات من العمر عندما قام بجولة في الولايات المتحدة عام 1835. ومن هناك كتب أنه في القرن التالي سوف تظهر قوتان عالميتان: أميركا وروسيا، وأن كليهما سوف تهز مصائر العالم، الأولى بالنظام القائم على الحرية، والثانية بالنظام القائم على السلطة المركزية.
أصحاب المخيلات العلمية صحت أيضاً تخيلاتهم. عباس بن فرناس كان يُدرك أن الإنسان سوف «يطير» ذات يوم، ولو لم يخطر له أنه سوف يقطع المسافة بين لوس أنجليس ولندن في أربع ساعات على طائرة عسكرية تدعى «فانتوم»، كما حدث قبل نحو عقدين.
ولقد رسم الفرنسي جول فيرن، والبريطاني هـ. ج. ويلز «عالماً شجاعاً جديداً» في عمق البحار وأعالي الكواكب، أصبح اليوم عالماً عادياً وشبه مألوف. وبقيت هناك ألغاز لا يفكها سوى بعض الزملاء، كمثل المحلل اللبناني الذي وعدنا في مارس (آذار) 2014 أن الطائرة الماليزية التي اختفت بين كوالالمبور يخبؤها الأميركيون، وسوف تظهر خلال أيام، وعنده جميع التفاصيل.
التعليقات