صفوق الشمري

ستمر هذه الحملة الصحفية على المملكة كما مر غيرها، وتبقى المملكة أقوى، لكن ألم يحن الوقت أن نبادر إلى تغيير صورة الإعلام عنا وتفعيل أدواتنا الإعلامية بشكل محترف مؤسساتي ومستمر وليس حملات علاقات عامة معلبة؟

«العظماء يناقشون الأفكار، والنَّاس العاديون يناقشون الأحداث، وأصحاب العقول الصغيرة يناقشون الأشخاص» الينور روزفلت. خلال الفترة الماضية شهدت المملكة هجوما شاسعا من الإعلام الغربي سواء المكتوب أو التواصل الاجتماعي، والحق يقال ليست أول مرة نشهد حملات إعلامية على المملكة، وأصبحت شبه عادية، مثل الموجات ترتفع وتنزل، لكن هذه المرة مكثفة لدرجة أنك تجد في اليوم الواحد عدة مقالات وتقارير من مؤسسات صحفية أو سياسية عن المملكة، وهي في العادة ما تصدر تقريرا أسبوعيا وربما شهريا عن السعودية لأن العالم مليئ بالأحداث الأخرى، أكثر التقارير السلبية من جهات معروفة التوجهات، وخصوصا أيتام الضعيف أوباما، وانضم إلى الجوقة أيتام اللوبي الإيراني في الغرب، بالإضافة إلى اليساريين خصوصا في أوروبا وبعض عرب الشمال المتغربين. وربما الحملة هذه المرة مختلفة بعض الشيء من متابعة ونقاش لسنوات للحملات الغربية، تصل إلى استنتاجات معينة، وإذا كانت الحملة أشد فاعرف أن المملكة على الطريق الصحيح، وأنها أوجعت مصالح الغرب في غالبية الأحيان، وهذا لا يعني أننا لا نملك أخطاء، لكن تعودنا في كل حملة أن هناك سببا خفيا أو مساومة لشيء آخر، وقد يعرف السبب في وقته أو بعد فترة، فالغرب يطلق عملاءه لكل محاولة ابتزاز أو صفقة، وهي شنشنة نعرفها من أخزم، وكم أظهرت الأيام والحوادث كمية الابتزاز الغربي والنفاق في الأزمات! لكن هذا ليس مهما إن كان الغرب ينافق أو الحملات ظالمة، وهذه طبيعة العالم والمصالح، وهذا ليس من الأولويات حاليا، فهناك الأهم!
رغم تعاقب الحملات الغربية فما زالت ردة الفعل عند الإعلام الخارجي السعودي جامدة لعقود! ربما يرد شخص أو شخصان، وربما سفارة أو سفارتان ببيان جامد، إما للنفي أو التعديل لا أكثر ولا أقل، وفي كثير من الأحيان لا يوجد رد من باب اتركوهم إلى أن يسكتوا، وتجد في كثير من التقارير العبارة الشهيرة (تم الاتصال بالسفارة السعودية الفلانية، ولم ترد إلى لحظة إعداد التقرير)، نحن هنا نتكلم على الحد الأدنى، وهو ردة الفعل، طبعا لا نحتاج أن نذكر بأنه لا يوجد عمل مؤسساتي محترف لتحسين الصورة أو الرد، بل محاولات فردية من هنا وهناك، ومن باب أولى أن تكون شرهتنا كبيرة إذا فكرنا في سياسة إعلامية خارجية تعتمد على المبادرة بالفعل، أو حتى شن حملة إعلامية منظمة والبدء بها.
يوجد بعض الإخوان والأخوات من السعوديين والخليجيين الذين عاشوا في الغرب، ولديهم إلمام بالشؤون السياسية، يقومون بالرد على بعض الصحفيين الغربيين، ويحصل نقاش طويل والحمد لله في غالبية الأحيان تكون حجتنا أقوى لأنه ليس لدينا شيء نخفيه، والأرقام في مصلحتنا وكثير من الكتاب الغربيين عادوا عن آرائهم في بعض المواضيع بعد النقاش، سواء في التواصل الاجتماعي وغيره، لكن هذا المجهود شخصي في وقت فراغنا، وألف شكر لكل مجموعة من الأصدقاء الذين في أميركا على دفاعهم معنا عن الحقيقة، وليس دفاعا فقط بل دفاع من باب الحمية، لكن كل هذه المجهودات شخصية، وهي ردود أفعال أكثر منها سياسة إعلامية خارجية.
حرب اليمن على سبيل المثال، الأرقام كلها تثبت أن السعودية أكبر مصدر للمساعدات في العالم لليمن لعقود وحتى الآن، ومع ذلك هجوم غير عادي، وللأسف بعض المسؤولين في مركز الملك سلمان للإغاثة عندهم مشكلة في الإعلام، دورهم شبه مخفي، فهم يحتاجون إلى سياسة إعلامية محترفة دولية تواكب العمل الإغاثي، أما عمل مؤتمر صحفي معلب كل فترة فما يسمن!
للأسف كثير من إعلامنا الخارجي يركز على الداخل من باب البهرجة، يا عزيزي لا تقنعني كمواطن بدورنا في اليمن مثلا ومساعداتها أو دورنا في العالم، فالمواطن يعرفه جيدا، لكن أقنع العالم، حتى بعض سفاراتنا أخبارها للاستهلاك الداخلي، لكن ماذا عملت خارجيا!؟ ما نريد أن نراه هو أخبار إيجابية، وردود على الصفحات العالمية، وليس صفحاتنا المحلية.
أما إعلامنا الداخلي فقد اختفى كثيرا من الإبداع، كمثال مقابلة ولي العهد في نيويورك تايمز هذه سبق لتوم فريدمان، وليس للصحفيين السعوديين الذين تسابقوا لتحليل خلفيات اللقاء وأحداثه، اللقاء كان محترفا وأسئلته مباشرة من صحيفة معروفة بهجومها على المملكة، ولكن بما أن الإجابات قوية وصريحة ومفاجئة، مما أجبر الصحيفة على هذا الزخم، إن الذي يمكنه أن يتكلم عن خلفيات اللقاء وكواليسه وتحليلاته هو فريدمان نفسه، وليس صحفيا سعوديا علم عن اللقاء في الصحف بعد أيام من حصوله، مثال آخر وهو عندما طلبت بي بي سي البريطانية زيارة الريتز والتحدث إلى الموقوفين هناك، لِمَ لمْ يبادر صحفي سعودي واحد بنفسه إلى طلب المقابلة في الريتز بدلا من التفرغ لمدح تقرير بي بي سي!؟ 
كثير من أخبار البلد خاصة المهمة صارت تأتي من بلومبرغ، لا أحد يقول إن الصحافة العالمية تتعامل بشكل خاص أو أفضل من المحلي، وإنه من أجل المصداقية والموضوعية لذلك جاء صحفي أجنبي، بل على العكس، الخبر القوي الحصري ستتلقفه الصحافة العالمية أيا كان مصدره، ولأن هناك صحفيين سعوديين أجروا مقابلات حصرية مع كبار المسؤولين في الدولة، وعلى رأسهم سمو ولي العهد، طلبوا وحاولوا واجتهدوا ووصلوا إلى سبق صحفي، أما الذي يتفرغ لقراءة الصحف الأجنبية، وينقل عن أخبارها فلن تأتيه الفرصة.
الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد عندهما أولويات وسياسات وخطط كبرى معينة، ولن يهتموا بمدح مبالغ فيه لن يضيف شيئا، لكن سيهتمون كثيرا إذا وجدوا هناك مبادرات احترافية صحفية، وأسئلة تهم القارئ في السعودية والعالم. 
ستمر هذه الحملة الصحفية على المملكة كما مر غيرها، وتبقى المملكة أقوى، لكن ألم يحن الوقت أن نبادر بتغيير صورة الإعلام عنا، وتفعيل أدواتنا الإعلامية بشكل محترف مؤسساتي ومستمر وليس حملات علاقات عامة معلبة؟ للأسف الوضع حاليا جامد، لا سفارات تؤدي دورها الإعلامي كما يجب، ولا مؤسسات إعلامية لها نفوذ 
أو تأثير خارجي، ومحاولات فردية محدودة، ولنكن صريحين إذا استثنينا المبدع البارز عادل الجبير، وربما البعض من دبلوماسيينا يعرفون كيفية التعامل مع الإعلام، أما الأكثرية البقية فهي صامتة، وقد يكونون مبدعين كدبلوماسيين آخرين، لكن ليس لديهم الكاريزما والموهبة للتعامل مع الإعلام، أعرف أن المملكة حاليا تركز لتقوية القوة الملموسة عسكريا واقتصاديا، وهذا الأهم، لكن يجب ألا ننسى القوة الناعمة، والقوتان مما يجعل الدولة عظيمة.