إبراهيم بن محمود النحاس

لم يكن يتوقع أحد من أبناء الشعب اللبناني أن يكون من بينهم من يسعى لهدم الدولة اللبنانية وهدم تاريخها السياسي واختراق مؤسساتها لتنفيذ أجندة دولة خارجية على حساب لبنان وعروبته..

من تاريخ سياسي عريق تميز بدعم القومية العربية والدفاع عنها، إلى حاضر سياسي بعيد عن القومية العربية قريب إلى أعدائها. ومن تاريخ سياسي تميز بتوجهات تنادي بالمحافظة على الأمن القومي العربي وأمن أوطانهم، إلى حاضر سياسي اتصف بتوجهات تساهم بإضعاف الأمن القومي العربي وتعمل على تفتيته. فماذا حدث ليكون لبنان بهذا الوضع السياسي، وكيف حدث ذلك في عاصمة عربية عريقة مثل بيروت التي ساهمت بإثراء الثقافة العربية وآدابها في مختلف المجالات العلمية والفكرية؟

بكل آسى وبكل أسف، إن ما حصل للبنان لم يحصل إلا بسبب بعض أبناء لبنان أنفسهم الذين أرادوا أن يكون لبنان بهذا الوضع السياسي الضعيف داخلياً وخارجياً. ولكن هل يُعقل أن يكون هناك من أبناء لبنان من يريد أن يرى دولته بهذا الوضع السياسي الضعيف، ولماذا؟ حوادث التاريخ وأحداث السياسة تجعل كل مُتابع للبنان يقول: نعم إن هناك من أبناء لبنان من أراد أن يرى لبنان ضعيفاً على جميع المستويات. إن هؤلاء البعض من أبناء لبنان الذين يريدون أن يروا لبنان بهذا الوضع لم تكن مصلحة دولة لبنان هدفهم ولم تكن مصلحة شعب لبنان أحد هموهم. وبما أن هؤلاء البعض من أبناء لبنان لم تكن مصلحة لبنان وشعبه هدفهم، فإن هدفهم هو خدمة أجندتهم الخاصة وخدمة الأطراف الذين يعملون لهم. لذلك عملوا على هذه الأهداف الخاصة على حساب الأهداف العامة وسعوا لتحقيق مصالح من يعملون لهم على حساب تحقيق مصالح لبنان وشعبه. لقد كانوا على مدى أعوام عديدة يعملون بكل السُبل والوسائل لخدمة أهدافهم الخاصة وأهداف من يدعمهم ويرعاهم.

لم يكن يتوقع أحد من أبناء الشعب اللبناني أن يكون من بينهم من يخون دولته ويخون اللبنانيين. ولم يكن يتوقع أحد من أبناء الشعب اللبناني أن يكون من بينهم من يسعى لهدم الدولة اللبنانية وهدم تاريخها السياسي واختراق مؤسساتها لتنفيذ أجندة دولة خارجية على حساب لبنان وعروبته. ولم يكن يتوقع أحد من أبناء الشعب اللبناني أن يكون من بينهم من يسعى لزعزعة أمن وسلامة واستقرار الدولة اللبنانية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً تنفيذاً لأهداف أعداء لبنان والأمة العربية. فقد كان من الممكن أن يتوقع اللبنانيون أي شيء قد يحدث بين اللبنانيين مثل الخلافات السياسية، إلا أنهم لم يتوقعوا أن يكون من بينهم من يخونهم ويخون دولتهم ويتعدى على عروبتهم ويسعى لتدمير مجتمعهم.

لقد كان مصطلح الخيانة والعمالة للخارج غير حاضر ليس فقط في لبنان ولكن في معظم الدول العربية. ولكن وبكل أسى ما لم يكن يتوقعه اللبنانيون حدث على أرض الواقع في لبنان. لقد أدرك الشعب اللبناني بعد عدة أعوام أن من بين أبنائه من يخون لبنان ويعمل ضد مصالحه. ولقد أدرك الشعب اللبناني بعد عدة أعوام أن دولته أصبحت رهينة وأن أمنه مخترق ومجتمعه مقسم بسبب العمل الطويل لهؤلاء الخونة الذين يحملون صفة المواطنة اللبنانية ويتحدثون بلغتهم العربية. لقد أدرك الشعب اللبناني بعد عدة أعوام أن من كان يرفع ظاهراً شعارات المقاومة والدفاع عن لبنان، أنه كان يعمل بالخفاء بكل الوسائل والأساليب لجعل لبنان رهينة سياسية تابعة لدولة خارجية تعتبر عدواً ليس فقط لدولة لبنان وإنما للأمة العربية. لقد أدرك أبناء الشعب اللبناني أن الحزب الذي يستخدم شعارات عاطفية مثل المقاومة وبأن زعيمه وقادته الذين يستخدمون عبارات ومصطلحات عاطفية لإثارة الشعوب العربية والإسلامية ليسوا إلا أدوات تنفيذ لأجندة خارجية. وأخيراً لقد أدرك اللبنانيون أن من رفع شعارات عاطفية مثل المقاومة ليسوا إلا مرتزقة وعملاء وخونة يعملون لصالح نظام الخُميني في إيران ضد كل ما هو لبناني وعربي.

وفي الختام من الأهمية القول: إن ما حدث من تحول كبير في توجهات لبنان السياسية من دعم غير محدود لكل ما هو عربي إلى التصويت لصالح كل ما هو إيراني لم يأتِ سريعاً ولم يكن مصادفة. لقد عملت إيران الخُميني على توظيف ضُعفاء النفوس في لبنان والذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا عملاء ومرتزقة لإيران ودعمتم ورعتهم حتى أصبحوا قوة ذات تأثير ليس بفكرهم وإنما بالأساليب المتطرفة التي يستخدمونها والإرهاب الذي يمارسونه تجاه كل وطني مخلص من أبناء لبنان. فهل هذا التحول الكبير في توجهات لبنان السياسية محل قبولٍ من اللبنانيين؟ بالتأكيد الإجابة لا. ولكن هذه الإجابة المجُردة لن تغير الواقع.