محمد فايع
واشنطن لم تنقلب على الفلسطينيين كوسيط في عملية السلام، بل انقلبت على المواثيق الدولية، وعلى القرارات الأممية، وبذلك تعلن بشكل سافر بعيد القرار أنها ليست وسيطا نزيها
ليس اليوم وفي عهد الرئيس الأميركي ترمب، سيكتشف العرب أن أميركا منحازة لإسرائيل، وأنها تقف إلى جوارها، فهي الدولة التي اعترفت بقيام دولة إسرائيل بعيد «11 دقيقة» من إعلان زعمائها قيام الكيان الإسرائيلي المحتل، فوق أرض عربية اسمها فلسطين، وليس جديدا القرار الذي اتخذه السيد ترمب بإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل فهذا القرار، يوجد على طاولة كل رئيس أميركي، منذ عهد رؤساء أميركيين سابقين، وتحديدا منذ عام 1995، لكن وضع برفقته ورقة تعطي كل رئيس خيار «الإقرار أو التأجيل» لمدة ستة أشهر، وليس جديداً أن يعرف العرب أن أميركا التي يسيطر عليها «اللوبي الصهيوني» إنما هي إسرائيل الكبرى، كما هي إسرائيل تعد أميركا الشرق الأوسط، فمنذ قيام إسرائيل، لم تتوقف إمدادات السلاح الأحدث في المصانع الأميركية من التدفق عليها لجعلها الأقوى في الشرق الأوسط، وهذه إحدى مبادئ دعم قيام الكيان «الصهيوني» ولم تتوقف عن تحويلات بمليارات الدولارات تضخها في خزينة المال الإسرائيلية، بما فيها مليارات «جارند كوشنر» مستشار الرئيس الأميركي، وزوج ابنته المكلف بملف السلام في الشرق الأوسط! من أجل العمل على بناء المستوطنات الإسرائيلية فوق منازل الفلسطينيين التي تهّدم، وفوق الأراضي الفلسطينية التي تقضم كل يوم في خطة ممنهجة لتهويد القدس، وكل أراضي فلسطين، حتى لم يتبق من معالم القدس العربية إلا النذر اليسير.
ولم تبخل أميركا بقرارات «الفيتو» القرار الأميركي الجاهز داخل أروقة الأمم المتحدة لحماية إسرائيل، ودحض كل التهم الموجهة نحوها، بسبب جرائم الإرهاب بما عدده (83) قرارا برسم الفيتو لإبطال كل قرارات المجتمع الدولي، منها (42) قرارا فقط يمنع إدانة المجتمع الدولي لإسرائيل، بسبب جرائمها في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، بينما تلك القرارات التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة، التي قاربت الأربعين قرارا، لم تنفذ منها إسرائيل قرارا واحدا، بينما كانت الضغوط الدولية والأميركية تحديدا تمارس على الفلسطينيين كي يلتزموا بالقرارات الأممية، وينفذوها!
ولذلك إذا كانت أميركا تعد أن القرار قد أتى موافقا لواقع، وعلى العرب أن يقبلوا به، فلِمَ لا تقبل أميركا بالوقائع التاريخية، التي تشهد صراحة بأن الكنعانيين أجداد الفلسطينيين، ومعهم قبائل التنوخيين واليبسيين وغيرهم من قبائل العرب، هم أول من استوطن فلسطين منذ آلاف السنوات، وقبل أن يؤمر اليهود، مع أن 90 % من إسرائيل اليوم هم من (الصهاينة) الذين لديهم مشروع استعماري متكامل؟ ولِمَ لا تقبل أميركا بواقع أن فلسطين أرض عربية، وفق البراهين والشواهد الجغرافية والتاريخية، وأن الفلسطينيين ومعهم المسلمون في كل مكان لن يتخلوا عن القدس مهما كلفهم الأمر من تضحيات، ففيها مقدساتهم، فيها المسجد الأقصى أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسجد قبة الصخرة، وكنيسة القيامة والمهد، وحائط البراق، وشواهد إسلامية مقدسة، وإليها أسري بنبيهم محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلوات والتسليم، وصلى بكل الأنبياء، ثم عرج به إلى السموات السبع؟
أبعد كل هذا السرد عن الدعم الأميركي لتشجيع إسرائيل على استمرار الاحتلال لفلسطين، من سيعتقد بعدالة أن تبقى أميركا «راعيا نزيها لعملية السلام»؟ ومن سيصدق أنها ستعين الفلسطينيين على استرداد حقوقهم في أراضيهم، وهي التي لم تراع مشاعر مليار مسلم، ورئيسها السيد ترمب يعلن أن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وهو يشارك أحفاده بالأمس القريب في حضور الحاخام اليهودي «سولوفيتشك» بفرحة قراره الاعتراف بالقدس عاصة لإسرائيل، من يعتقد ذلك، فهو واهم، فأميركا لم تنقلب على الفلسطينيين كوسيط في عملية السلام، بل انقلبت على المواثيق الدولية، وعلى القرارات الأممية، وبذلك تعلن بشكل سافر بعيد القرار أنها ليست وسيطا نزيها، فليستيقظ العرب بعد كل ما جرى وما سيجري، فإذا لم يغضبوا لأجل القدس، فأي شيء آخر يغضبون لأجله، ولا تعني اليقظة بالضرورة إعلان الحرب.
التعليقات