محمد خلفان الصوافي
منذ الإعلان عن زيارة نائب الرئيس الأميركي مايك بينس إلى المنطقة التي يبدؤها اليوم بمصر ثم إسرائيل، تكاد جميع ردود الفعل العربية، الرسمية والشعبية، لا تخرج ما بين الرافضة لاستقباله مثل شيخ الأزهر، أحمد الطيب، وأمين كنيسة القدس أديب جودة الحسيني. وبين المترددة لها، كنتيجة لحالة اليأس والإحباط بسبب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو قرار سيئ الذكر، بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل مؤخراً.
ولكثرة ما قرأت من إصرار بعض العرب على مقاطعة بينس باعتبار أن عكس ذلك يعني قبول القرار الأميركي على القدس، ومع أني أتفهم حالة الغضب العربي الرسمي كنتيجة لنقض ترامب وعوده التي قدمها خلال زيارته للمنطقة بأنه سيعمل على إنهاء مسببات الإرهاب في المنطقة، والغضب الشعبي كون أن قراره استفزهم، إلا أنه في الجانب المقابل قفز إلى ذهني مقاطعات عربية كثيرة وهي محفورة في الذاكرة العربية ضيعت معها الحقوق؛ لأن المقاطعة ليست حلاً، ولاسيما أن العقلية الغربية لا تفهم «الزعل السياسي» الذي يتقنه العرب بقدر ما تؤمن بأهمية ممارسة الضغط الدبلوماسي وتحريك أوراق استراتيجية للتأثير عليهم في التغيير، مثلما فعل المغفور له سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عندما قرر قطع البترول عن الغرب في 1973 أو ما يعرف بقوة الندرة.
في رأيي، قرار ترامب شخصي ويخصه هو ومعه أفراد من فريقه، وهو سبق له أن اتخذ قرارات معينة منذ بداية رئاسته وتراجع، وأن ما يفعله ليس له علاقة بالمؤسسة الأميركية التي لها قرارها النهائي في الكثير من الأمور، وعليه فإنه من المناسب جداً تسجيل «اختراق دبلوماسي» عربي على قرار ترامب، فهذا هو النجاح الوحيد الذي يمكن أن تحققه الدبلوماسية العربية حالياً، وتقدم جديداً في سعيها على الدفاع عن عجزها، خاصة أن الطرف الآخر في الولايات المتحدة يعبر عن رفضه لما يقوم به ترامب لأن قراراته مدفوعة بعواطفه الخاصة تجاه إسرائيل، وكذلك فهو ليس صاحب القرار الأوحد، حتى وإن كان صاحب الصوت الأقوى، وبالتالي فالقرارات كلها بما فيه إعلان القدس قابلة للمراجعة.
الإدارات الأميركية منذ عهد الرئيس بوش الابن تكرر الخطأ نفسه في التعامل مع قضايا المنطقة، وهو عدم فهم طبيعة الذهنية العربية والإسلامية في المنطقة، فالقوة ليس دائماً هي الحل بل إنها قد تؤدي في المقابل إلى استخدام القوة من الطرف الآخر، وربما ما حصل في باكستان قبل يومين في الهجوم على كنيسة يؤكد ذلك، خاصة أن هدف الزيارة المعلنة هو التشاور في قضايا الأقليات وتحديداً الأقلية المسيحية. لذا، فإن فإن السياسات والمواقف يتم تحديدها في ضوء قدرة الطرف الآخر على الضغط من أجل إحداث توازن بين مصالحه من خلال التأثير على قرارات الآخرين وتغيير قناعاتهم، بل أحياناً لا توجد موازنة، وإنما تقليل حجم تداعيات القرار، خاصة عندما يكون في بدايته؛ لأن عكس ذلك كأننا نعتبر ما هو موجود قراراً ولا بد من القبول به.
قرار ترامب يؤكد أن عدم نجاح السياسة الأميركية في المنطقة يعود إلى حقيقة أنها لا تتمتع بقدر عال وعميق لفهم تاريخ المنطقة، لذا تواجه دائماً الإخفاق والرغبة في التخلص منها على عكس السياسة الأوروبية وخاصة البريطانية، وهو ما يؤكد أن أي نجاح للسياسة الأميركية في المنطقة مرهون دائماً باستشارة بريطانية.
بلا شك فإن المسألة تمثل تحدياً كبيراً؛ إذ كيف يمكن استقبال مسؤول اتخذت إدارته قراراً مجحفاً في الحقوق العربية وضربت بكل التعهدات الدولية بعرض الحائط، لكن إذا أخذنا الأمر من زاوية إفهام المسؤول الأميركي أن ليست كل قضايا الشرق الأوسط بذات الصدى السياسي، وأن القدس (حقيقة) ليس كما هو الوضع في أفغانستان والعراق، وأنه إذا كانت هناك مشاريع للولايات المتحدة في المنطقة، ينبغي ألا تكون القدس جزءاً منها، فالأمر هنا مختلف، فهذه المرة ليس المسلمون فقط هم المعنيون، بل المسيحيون والعرب عموماً، ما يعني أن سياسة كراهية الولايات المتحدة ستكبر مساحتها.
المقاطعة في أغلب الأحيان تتسبب في الخسارة السياسية، خاصة إذا كانت مع دولة بحجم الولايات المتحدة التي تدعم السياسة الإسرائيلية في المنطقة التي اعتادت على مصادرة كل الأشياء لصالحها لتحقيق أمنها الخاص، وأعتقد أن مقاطعة بينس في هذا الظرف لا يقل عن كونها تصويتاً له، لذا أفضل ما يجب أن يفعله العرب اليوم مقابلة بينس، ليس من أجل الترحيب به، ولكن من أجل انتقاد السياسة الأميركية وتحميل المسؤولين الأميركيين مسؤولية ما يحدث في المنطقة، وفضح الممارسات التي لا تراعي أي مسؤولية تجاه الحقوق العربية، والتي تساهم في ارتفاع صدى أصحاب الأفكار المتشددة والمتطرفين.
يمكن أن تكون زيارة بينس للمنطقة «تاريخية للعرب» حقاً إذا استطاعوا من إحداث «اختراق» في قرار ترامب ولكن ليس بالمقاطعة.
التعليقات