علي القرني 

مزاجية الغضب لدينا نحن العرب في مستوى عال، فنحن سريعاً ما نغضب، وسريعاً ما نحقد، وسريعاً ما تتغيّر أمزجتنا بمواقف أو أحداث، وهكذا نعيش حالات من التقلّب في المزاجية ويتعكر صفو الحياة لدينا من أدنى مستوى من المواقف أو ردود الفعل. وربما هذه جينات داخل الجسد العربي في الشخصية العربية، وليست موجودة كثيراً في شخصيات الشعوب الأخرى.

وفي المقابل، فإن شخصيات أخرى تمثّل شعوباً ومجتمعات أخرى لا تمتلك هذه اللحظة الغضبية التي نمتلكها نحن العرب، فنادراً ما تغضب تلك الشعوب، ونادراً ما تتغيّر أمزجتها، ونادراً ما تتقلَّب ذهنيتها من حالة إلى حالة. فيحكم تلك الشعوب البراجماتية والمصالحية أكثر من حكم التحدي والغضب والتقلّبات النفسية والمزاجية.

الغرب بشكل عام، ليس فقط في السياسة وليس فقط في الشأن الاجتماعي هم باردون في ردة فعلهم، وبعيدون عن ردة فعل آنية، فهم يكتمون غضبهم، ويحاولون أن تظهر ردة فعلهم بشكل اعتيادي، ودون أن يعتري مظاهر الشخصية الخارجية أذى أو تأثر واضح عليها نتيجة موقف أو حدث أو حتى مجرد كلام وتعبيرات ومواجهات جدلية. وهذه المزاجية الغربية هي التي تميز العقل الغربي عن ما سواه من عقليات الشعوب الأخرى.

وربما هناك شعوب أخرى تقترب منا كشعوب عربية وخاصة من تلك التي تقع شرقاً عنا، وخاصة في شرق آسيا. هذا على مستوى الأفراد، وإذا انتقلنا إلى مستوى المؤسسات والدول، فهذه العقلية الفردية تنتقل إلى هناك وترسم كذلك سياسات، وهذا ما نلاحظه حتى في جلسات رسمية لبرلمانات تلك الدول، حيث تحدث اعتداءات شخصية على بعضهم البعض، باليد أو بالركل أو برمي كاسات وأقلام ودفاتر وغيرها، وبين الحين والآخر نشاهد مثل هذه الاشتباكات بين أعضاء برلمانيين في تلك الدول. ومثل هذا يعكس كذلك حالة الغضب السريع التي تنتاب الأفراد في تلك المجتمعات. ولا شك أن مثل هذه الاعتداءات أو حالات الغضب التي تنتاب برلمانيين أو غيرهم من السياسيين تأتي على خلفية اختلاف في وجهات النظر، وتباين في الآراء.

والتحكم بالغضب هو أداة مهمة يمتلكها الإنسان العاقل، وحث ديننا الحنيف على أن نتحكم في حالة الغضب، ولا نجعلها تسيطر علينا، وأعطانا آليات واضحة نتعامل من خلالها مع حالة غضب من شخص أمامنا مثلاً. وعلى الرغم من تلك الإرشادات الدينية للمسلم، إلا أننا نلاحظ أن التمرد على الموقف أو الشخص مهما كان هو صادقاً، ومهما كنت أنت مخطئاً هو ما يحدث فعلاً في كثير من الحالات. فلنأخذ مثلاً بعض البرامج الحوارية التي تزخر بها قنواتنا العربية الفضائية، فلا يمكن أن نجد اثنين يتحاوران بهدوء وبطمأنينة، فكل منهما يقف موقف العداء ضد الآخر. وبعيداً عن رغبة مقدِّمي تلك البرامج أو أهداف تلك القنوات في استقطاب مشاهدة أعلى لصراع الديوك الذي يحدث في تلك البرامج، إلا أننا بكل بساطة نستشف ملامح الشخصية العربية التي لا تؤمن بالحوار أو المناقشة أو حتى الاستماع والإنصات للآخر.

وفي ظني أن من يغضب أكثر بين طرفين قد فقد حججه الصوتية وبدأ في استخدام عضلاته الجسدية، وهذا يحدث في حالات التشنّج الحوارية في القنوات التلفزيونية وفي مجالس أو اجتماعات رسمية. كما أن عدم الاعتراف بالخطأ هو الذي يفاقم المشكلة كثيراً بين طرفين. وعلى سبيل المثال، قطر في علاقاتها بدول الجوار تعلم علم اليقين أن ما فعلته ضد هذه الدول يمثِّل خطأ فادحاً وتعدياً سافراً على أمن واستقرار تلك الدول، ولكن للأسف الاعتراف بالخطأ هو أيضاً أحد مسببات الخلل في العقل العربي. وبدلاً من الاعتراف بالخطأ والجلوس بهدوء أمام الطرف الآخر لوضع حلول أو اتخاذ سياسات، تأخذهم العزة بالإثم، والتمادي في الخطأ.. وهذا ما تعكسه السياسة القطرية.