عبدالله محمد الشيبة
«سنقوم بكتابة أسماء الدول التي ستصوت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرارنا بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل».. ذلك كان تصريح السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة «نيكي هايلي» منذ أيام قليلة عقب قرار المجموعة العربية بتحويل مشروع قرارها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تطالب فيه دول العالم الامتناع عن نقل بعثاتها الدبلوماسية إلى مدينة «القدس» بعد أن حظي القرار بموافقة جميع أعضاء مجلس الأمن، بينما قامت واشنطن باستخدام حق النقض «الفيتو» لإجهاضه. وتشير السفيرة الأميركية بذلك إلى استعداد بلادها لاتخاذ إجراءات عقابية ضد الدول التي تقدم لها مساعدات وتقوم بالتصويت لصالح القرار في الجمعية العامة. وقد أيد الرئيس الأميركي «ترامب» تصريحات مندوبة بلاده لدى الأمم المتحدة قائلًا: «نحن نصرف المليارات على الدول وسنوفر تلك الأموال لو قامت تلك الدول بالتصويت ضد إرادتنا».
وكانت الولايات المتحدة الأميركية العضو الوحيد الذي اعترض على مشروع القرار الذي تقدمت به المجموعة العربية إلى مجلس الأمن تطالب فيه دول العالم الامتناع عن نقل سفاراتها إلى مدينة القدس، فما كان من الدول العربية سوى نقل المعركة السياسية والدبلوماسية إلى أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن المعلوم أنه طبقاً لقرار الاتحاد من أجل السلم الذي وافقت عليه الجمعية العامة في نوفمبر من عام 1950، فإنه من الممكن للجمعية العامة للأمم المتحدة أن تنظر في أي مشروع قرار فشل مجلس الأمن في اتخاذ إجراء بالإجماع عليه في حالة وجود تهديد للسلم الدولي، أو إخلال بالسلم أو ارتكاب أعمال عدوان. فالجمعية العامة تملك سلطة إصدار توصيات إلى الأعضاء بشأن تدابير جماعية، وتشمل حالة الإخلال بالسلم أو وقوع العدوان، استخدام القوة المسلحة لحفظ أو إعادة السلم والأمن الدولي. وبالتالي فإن مشروع القرار الذي عرضته المجموعة العربية على الجمعية العامة يندرج في هذا الإطار. وكما توقع الكثير، أقرت الجمعية العامة القرار بأغلبية 128 دولة صوتت بتأييده وتضم تلك الدول جميع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن باستثناء الولايات المتحدة، مما يعد انتصاراً كبيراً للشرعية الدولية ضد سياسة الأمر الواقع التي يفرضها العدو الصهيوني بغطاء أميركي. وقد أثبت القرار ثلاث نقاط في غاية الأهمية. الأولى، الإجماع الدولي وخاصة من جانب الدول العظمى -باستثناء الولايات المتحدة الأميركية- على تأييد القرارات الأممية السابقة، والتي تقضي باعتبار القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين بالرغم من عدم اعتراض واشنطن على تلك القرارات السابقة. ومن أبرز تلك القرارات، قرار مجلس الأمن التابع رقم 478، الذي اعتمد في 20 أغسطس 1980، وهو واحد من سبعة قرارات صادرة عن الأمم المتحدة أدانت فيها محاولة إسرائيل ضم القدس الشرقية. إضافة إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 476 المعتمد يوم 30 يونيو 1980، الذي أعلن بطلان الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير طابع القدس. والنقطة الثانية تؤكد مدى الفجوة التي تسبب فيها قرار الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» بين بلاده وبقية دول العالم إذ أصبحت الولايات المتحدة في جانب ومعظم دول العالم في جانب آخر، وهي تخشى أن تحذو حذو واشنطن في «الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل» خوفاً من التسبب في موجات غضب شعبية أكبر سواء داخل فلسطين المحتلة أو في الدول العربية والإسلامية، أو من الجاليات المسلمة المقيمة داخل تلك الدول. والنقطة الثالثة تتمثل في الإرادة الدولية التي مارستها 128 دولة لم تخضع للتهديدات الأميركية بقطع «المعونات المالية» عن الدول التي تستفيد منها. والنتيجة الأبرز هنا أن «ترامب» استطاع بجدارة وامتياز عزل دولته عن العالم سياسياً ودبلوماسياً بسبب إصراره على اتخاذ قرارات تضعه في مواجهة العالم تزيد من عزلة بلاده سياسياً ودبلوماسياً.
التعليقات