محمد علي فرحات

لم يجد أهل كيبيك وسياسيوها أسباباً تخفيفية لجريمة ألكسندر بيسونت الذي قتل وجرح مصلين في مسجد عاصمة الولاية الكندية الفرنسية. وتلاقى في التضامن مع الضحايا (ومع الجالية الإسلامية) يمينيون وليبراليون، دعاة هوية مقفلة ومناصرون لتعدد ثقافات تعتمده كندا، فبدت الجريمة موجّهة ضد الشعب الكندي كله لا ضد المسلمين وحدهم، خصوصاً عندما اضطر كتّاب ومذيعون احترفوا التهجُّم على الجاليات أن يعلنوا ما يشبه الاعتذار: لا تستحق كندا هذه الجريمة، لكن وقوعها هذه الأيام في درجة 20 تحت الصفر يعتبر تنبيهاً أول إلى ضرورة تضامن العالم مع مبدأ تعايش الثقافات (ومنها الأديان) ومع المجتمعات التي تطبقه وفي مقدمها كندا.

نبدأ من بلادنا: أين التضامن الشعبي المصري مع مواطنين أقباط ذبحهم متطرفون إسلاميون في ليبيا؟ أين التظاهرات في بغداد ودمشق واسطنبول تهدر باستنكار إبادة الإيزيديين العراقيين والسوريين أو استعبادهم؟

هكذا يحظى القاتل الكندي بأسباب تخفيفية من مجتمعات الشرق الأوسط ويفتقدها في وطنه، فهل تصمد الديموقراطيات والدول التي يحكمها القانون أمام هجمات التطرُّف الإسلامي المسلّح، خصوصاً مع رد أميركي أوصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ونهوض لليمين المتطرف في غير بلد أوروبي؟

الطالب اللبناني المسلم في 1 أيلول (سبتمبر) 2001 بدأ يومه الدراسي الأول في جامعة كندية. قرأ لائحة بالنوادي الطالبية واختار نادياً إسلامياً ليوم واحد فقط، فقد وجد هناك أجواء كراهية لكندا ولمجتمعات الغرب كلها، وعدوانية كتلك الصادرة في الشرق الأوسط عن تنظيمات إسلامية سياسية أو قومية عربية متعصبة. في اليوم التالي لجأ الطالب إلى ناد للفيزياء، وفي اليوم الحادي عشر شاهد في التلفزيون كارثة تدمير برجي نيويورك ومقتل آلاف الأبرياء. أجاب عن سؤال زملائه: هؤلاء لا يمثلوننا، كان ينطق باسم جماعات إسلامية غير متجمّعة تكتفي بالإيمان ويتعذّر تلاقيها في فوضى التعصب والتحامل التي تعمّ بلاد المسلمين.

قاتل المصلين في كيبيك وجد، على الأرجح، دوافع جريمته في حفلات القتل الغرائبية التي يرتكبها «داعش» وفي خوفه من وصول الإرهاب الإسلامي إلى بيته، وقد توهم البدايات في حضور مسلمين كنديين في الفضاء العام بأزياء غريبة وفي مقدمها نقاب يحيل المرأة شبحاً يمشي على الرصيف أو يقطع الشارع وسط السيارات المزدحمة. ليس قاتل المصلين ليبرالياً محترفاً ليدافع عن حق المهاجرين المطلق بممارسة ثقافاتهم بما فيها الأزياء، إنه طالب جامعي من بيئة محافظة يتواصل مع أشباه له في الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، هم أقرب جغرافياً إلى أماكن الجرائم «الداعشية» وأكثر خوفاً والتصاقاً بهوية ترى في الهجرة والمهاجرين خطراً وجودياً.

سيعيّن ألكسندر بيسونت محامياً يدافع عنه، لكنه سيسيء الاختيار. إن أنجح المحامين وأكثرهم قدرة على التخفيف من جريمته هم زعماء الإسلام السياسي المتطرفون والمعتدلون، لا فرق. وإلا كيف يمضون في صمتهم عن قول الحق في بلادهم وإهمالهم الحفاظ على الإيمان الإسلامي، فيما يتعرض أهل هذا الإيمان في أنحاء العالم إلى القتل بأيدي مسلمين متطرفين أو معادين يجدون عذرهم في جرائم تحظى بالمباركة أو بصمت يشبه المباركة؟

حتى في كيبيك، في الدرجة العشرين تحت الصفر، لا ينجو المصلون من قاتل إسلامي متطرف، أو معاد تدفعه إلى الجريمة صور الإرهابيين الإسلاميين وكلماتهم الحاضرة في أجهزة الإعلام المعولمة.