إميل أمين

هل هو أوان مرور مسلمي أميركا من الباب الضيق، باب المتاعب والمشاغبات، باب التمييز العنصري والديني، باب المخاوف لا سيما مع تصاعد القومية والشعبوية التي تقارب العنصرية عند مستوى معين من الأحداث؟ زايد دونالد ترامب كثيراً جداً في زمن الحملة الانتخابية الرئاسية على إشكالية الحضور الإسلامي في الولايات المتحدة الأميركية، ولعب ربما بمهارة وإن كانت سلبية على أوتار اليمين الأصولي والجماعات الراديكالية المتطرفة في الداخل الأميركي، وبما لا يتفق أو يستقيم بالمطلق مع روح ونصوص الدستور الأميركي لا سيما المواد التي تكفل حرية الإيمان والمعتقد وكذا العقيدة.

عطفاً على ذلك ذهب ترامب دون مواراة أو مداراة إلى وسم مسلمي الداخل بملامح تقترب من الخيانة بمعنى النظر إلى كل مسلم في الداخل الأميركي على أنه إرهابي وذلك لحين ثبوت العكس.

هل يمكن لأميركا الحريات المدنية والدينية أن تصل إلى هذا الدرك الأسفل المنافي والمجافي لدستورها وروحها؟

التسريبات المفزعة والمرعبة الأخيرة تدور حول مقترح لتسجيل بيانات مسلمي الولايات المتحدة، وأيضاً الذين يأتون من الخارج عند دخولهم البلاد. هل هذا المشهد كارثي؟

هو كذلك بالفعل على أميركا قبل أن ينسحب على المسلمين القادمين إليها أو الذين يعيشون فيها، إنه إعادة إنتاج لألمانيا النازية التي كانت تجبر اليهود على تسجيل أسمائهم وبياناتهم بمثل تلك الطريقة، الأمر الذي قاد لاحقاً إلى مأساة الهولوكوست، والمشهد عينة مشابهة لما جرى لجموع من الأصل الياباني يحملون الجنسية الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية.

يروى دوماً في الأدبيات السياسية الكلاسيكية أن: «الذي يوسوس في أذن الملك هو في الغالب أخطر من الملك»، فمن يرسم صورة المسلمين في عيون وذهن ترامب؟

أحدهم «فرانك جافني» مؤسس مركز أبحاث هامشي يدعى «مركز السياسة الأمنية»، وسبق له العمل لأربع سنوات في وزارة الدفاع الأميركية بحقبة الرئيس الأميركي الأسبق، رونالد ريجان، ويصفه اليوم مركز «ساوثرن بوفرتي» المعني بمراقبة الدعوات والنزعات العرقية المتشددة بأنه أحد أعتى دعاة الإسلاموفوبيا بأميركا.

دعوات «جافني» المثيرة والمليئة بالكراهية غير خافية على أحد، إنه الرجل الذي يحذر مما أسماه «تسلل الشريعة الإسلامية إلى أميركا والغرب»، وهو كذلك المروج الرئيس لنظريات المؤامرة المعادية للإسلام.

الأسئلة على لسان مسلمي أميركا هذه الأيام لا تنقطع.. هل يتوجب علينا أن نحزم أمتعتنا ونتهيأ للرحيل من هذه البلاد؟ ماذا سيحدث لنا ولأحبائنا ولأبنائنا؟ والعديد من الأسئلة التي تجعل نهارهم قلقاً وليلهم أرقاً.

ما يزعج المسلمين الأميركيين في واقع الحال ربما يتجاوز إدارة ترامب ومستشاريه إلى حيز الأميركيين أنفسهم، أولئك الذين وقع اختيارهم على ترامب، والذين انساقوا وراء خطابه الانتخابي بكل ما حواه من ملامح غير طيبة من العنصرية والإسلاموفوبيا وكراهية الآخر، لا سيما اللاتينيين والسود والمسلمين، وهذا أمر مقلق جداً ومخيف للغاية.

على أن قائلاً يقول إن جاليات كثيرة مثل اللاتينيين لديهم بدورهم مخاوف مماثلة، فلماذا يتوجب القلق على مسلمي أميركا إلى هذا الحد المخيف؟

الشاهد أنه بالفعل هناك جاليات عديدة لها أسباب وجيهة للخوف من رئاسة ترامب، إلا أنه بالنسبة إلى الأميركيين المسلمين تعد المخاوف مباشرة بشكل خاص. وليس ترامب فقط هو المعادي للمسلمين بشكل علني، بل هناك ما يقرب من نصف الناخبين الأميركيين، إما أنهم قبلوا رسالة الكراهية والخوف من الأجانب الخاصة به، وإما أنهم ساعدوا في التحريض عليها، وخلال الانتخابات التمهيدية أعربت أغلبية قوية بالعديد من الولايات المتحدة عن دعمها المباشر لاقتراح ترامب بحظر المسلمين من البلاد.

وفي كل الأحوال يبدو أن انتشار هذا الدعم الشعبي لترامب مؤشر على السقوط في فخ كبير، سقطت فيه الولايات المتحدة منذ الحادي عشر من سبتمبر وحتى الساعة... عن أي فخ نتحدث؟

حكماً نحن نتحدث عن ما يسمى فخ الإرهاب الأعمى الذي وقعت فيه الولايات المتحدة منذ أحداث نيويورك وواشنطن عام 2001، غير أن هذا الفخ هناك من رتب له ترتيباً أيديولوجيا مسبقاً، لا سيما من رجالات التنظير الأميركيين الكبار أمثال «صموئيل هنتنجتون» صاحب نظرية «صراع الحضارات»، في كتابه «من نحن: المناظرة الكبرى حول أميركا»، والذي يحدثنا بالقول: «إن الأميركيين لا يرون الإسلام أو الشعب الإسلامي أو الدين الإسلامي أو الحضارة الإسلامية باعتبارها عدواً، ولكن المتشددين الإسلاميين من المتدينين والعلمانيين يعتبرون أميركا وشعبها ودينها وحضارتها عدواً للإسلام».

هذه قراءة مغلوطة أو معكوسة في أحسن الأحوال، وجل هدف «هنتنجتون» أن يبرز كيف أن الأميركيين اليوم يرون في المتشددين الإسلاميين عدواً لأميركا، بل إلى أبعد من ذلك فالرجل يستحضر من الماضي القريب عدواً لدوداً لأميركا، فالمقاربة التي يقدمها إلى الأميركيين تستدعي كثيراً من السمات المشتركة مع الحرب الباردة، فالعداء الإسلامي- على حد تعريفه - يشجع الأميركيين على تعريف هويتهم في سياق ديني وثقافي، مثلما أدت الحرب الباردة إلى دعم تعريفات سياسية وعقائدية لهذه الهوية.

ما يجري الآن بالنسبة إلى المسلمين يدق أجراس التنبيه والتحذير من فتنة دينية وطائفية وعقائدية لم تعهدها أميركا من قبل، لا سيما أنه حتى لو فشل ترامب في تفعيل نواياه تجاه مسلمي أميركا، فإن تداعيات خطابه الكاره للإسلام والمسلمين أصبحت واضحة بالفعل، والدليل جرائم الكراهية المتزايدة.. من ينقذ أميركا من وباء ملاحقة المسلمين؟