إميل أمين

تعد هذه السطور الجزء المكمل والمتمم للمقال السابق والذي أشرنا فيه إلى الركب الأوروبية التي لم تجثُ لبعل الكراهية، واليوم نتساءل:«هل خلت أميركا من أصحاب الضمير الحي الرافضين لوضع الإسلام والمسلمين في خانة الإرهاب والإرهابيين، عبر تقسيم مانوي للبشر أشرار وأخيار، من معنا ومن علينا؟

أصحاب الضمائر الحية في أميركا كثر، وجدناهم في مؤسسات الدولة الدينية والعلمانية السياسية على حد سواء.

في خطاب تهنئته للرئيس الأميركي المنتخب قال البابا فرانسيس بابا الفاتيكان:«إنه في حقبة تعاني عائلتنا البشرية من أزمات إنسانية خطيرة تتطلب أجوبة سياسية متبصرة وموحدة، أصلي كي ترشد القيم الروحية والأخلاقية الغنية التي صاغت تاريخ الشعب الأميركي قراراتكم.. وأضاف الحَبْر الروماني..«تحت أمرتكم، فلتبق مكانة أميركا تقاس بقلقها حيال الفقراء والمهمشين والمحتاجين».

خطاب البابا لترامب كان دافعاً وحافزاً لمؤتمر الأساقفة الأميركيين الكاثوليك لأن يصدروا بياناً يحث على دعم اللاجئين المسلمين، موقع عليه من قبل الكاردينال «دانييل دينارو» رئيس المؤتمر، إلى جانب نائبه الأسقف «خوسيه غوميس».

البيان أعرب عن أن «مؤتمر الأساقفة لا يريد التدخل في أمور السياسة، لكن في الوقت ذاته، لا يمكن للكنيسة أن تتوارى عن دعم الناس من مختلف الديانات من ضحايا الملاحقات التعسفية». عند أصحاب البيان أن:«الناس الهاربين من داعش وباقي الجماعات الإرهابية، ضحوا بكل شيء ومن بينهم عدد كثير من الأسر تبحث عن الأمن لأطفالها».

الضمير الحي لأميركا يتجلى في كلمات البيان المليئة بالإيمان الحقيقي غير المزيف، لا سيما عندما يتعلق الأمر بدور الولايات المتحدة الأخلاقي في هذا التوقيت الذي يشهد فيه العالم موجة من الجنون والإرهاب، وعند القائمين عليه من الأساقفة الرومانيين الكاثوليك الأميركيين، والذين يوجهون نحو ثمانين مليون أميركي كاثوليكي توجيهاً روحياً أنه:«يجب أن يكون وطننا طرفاً في تحالف جماعي ضد الشر، صحيح أن علينا أن نتابع بحذر شديد ما يقوم به أولئك الذين يريدون الشر لبلادنا، لكن أيضاً علينا أن نمنح وبالقدر ذاته اهتمامنا لمن يصل إلينا كصديق».

يسعى المد اليميني المتطرف لأن يخلق العقبات، ويقيم الحواجز بين أصحاب الديانات المختلفة وبخاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، لكن بيان الأساقفة يصف العلاقات بين المسيحيين والمسلمين بأنها:«نتيجة القوة الخارقة المنبثقة من حب الآخرين والعدالة».

يضيق المسطح المتاح للكتابة عن مناقشة كل ما جاء في البيان الذي يختتم بإطلاق دعوة صريحة للرئيس ترامب تحثه على ضرورة استناد كافة إجراءاته القائمة، وكذا القادمة على القيم الأساسية للإنسانية.

ضمير أميركا الحي لم يتوقف عند حدود رجال الدين المسيحي من كاثوليك أميركا أنما امتد كذلك للمواطنين العلمانيين أي غير المنتسبين لطغمة الاكليروس، عطفا على مسؤولين سياسيين سابقين شغلوا مناصب متقدمة في إدارات سابقة.

في ميدان «تايمز سكوير» الشهير بمدينة نيويورك تجمع نهار الأحد 19 فبراير الجاري الآلاف من الأميركيين، مواطنين من كافة أرجاء المنطقة، رافعين شعارات:«أنا أيضاً مسلم» للاحتجاج المسبق على سياسات الرئيس ترامب الذي توعد بإصدار مرسوم جديد بعد تعليق محكمة فيدرالية للمرسوم السابق.

قبل هؤلاء كانت وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق «مادلين أولبرايت» تصرح بالقول:«لقد ولدت كاثوليكية ثم تحولت لاحقاً إلى الأسقفية، واكتشفت مؤخراً جذوراً يهودية، غير أنني مستعدة لأن أسجل نفسي كمسلمة».

حديث وزيرة خارجية «بيل كلينتون» في أواخر تسعينيات القرن المنصرم، جاءت رداً على التسريبات التي تقول بأن قوائم خاصة ستُعد ليسجل فيها المسلمون أسماءهم، بالضبط كما فعل هتلر مع اليهود، أو الأميركيين أنفسهم مع اليابانيين في الحرب العالمية الثانية غداة موقعة بيرل هاربر الاليمة.

المواجهة والمجابهة الأيديولوجية «للترامبيين الجدد» بلغت حد مطالبة أعضاء في الكونجرس الأميركي مثل السيناتور «كوري بوكر» والسيناتور «بريان شاتنز» مع عشرة أعضاء آخرين من مجلس الشيوخ، إدارة ترامب بتغيير خطاباته وخططه التي تتمحور وتتركز حول مكافحة التطرف والإرهاب بوصفه إسلامياً بشكل خاص، واستبعاد الجماعات العنصرية الأميركية التي تؤمن بتفوق البيض وباشرت عمليات إطلاق نار ضد الأميركيين الأفارقة.

أصحاب الضمير الحي في أميركا يحذرون اليوم من هكذا مشهد وانعكاساته على حلفاء البلاد من الدول الإسلامية، والأثر المضاد الذي تولده تلك السياسات، إذ إنها تُعطي الإرهابيين الوازع والمبرر لمزيد من الهجمات المحمولة على أجنحة الكراهية.

الضمير الحي لأميركا نجده لدى القضاء الأميركي الذي أدان منذ بضعة أيام مرشحاً سابقاً للكونجرس الأميركي اتهم بالتخطيط لتكوين مجموعة مسلحة لهجوم على قرية «إسلامبرج» التي يسكنها مسلمون فقط بنيويورك في عام 2015، ما يعني أن القضاء هناك غير مسيس كما قال الرئيس ترامب.

ضمائر أميركا الحية تعني أن الفرصة لا تزال سانحة لأن تعود أميركا من جديد «مدينة فوق جبل».