الملك سلمان وقمة عمان
العمل العربي المشترك أمام لحظة فارقة: إمّا أن يسير نحو الأمام، ويتحوّل من التعامل إلى التكامل على أسس واضحة، وخصوصا بعد كل التهديدات والتحديات، أو أن يذهب كل في اتجاه
يتابع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز زيارته التاريخية الآسيوية، وفي محطتها الخامسة إلى الصين بعد اليابان وماليزيا وإندونسيا وبروناي. لا شكّ أنّ هذه الزيارة تكتسب أهميّة استثنائية في توقيتها وموضوعاتها ونتائجها، والتي نتابعها بدقّة عبر الإعلام العربي والآسيوي والعالمي، ولكن الإشارة اللافتة فيها هي محطتها الأخيرة، إذ أعلن منذ بدء الزيارة أنّ الملك سلمان سينهي جولته بحضور القمة العربية في عمان الأردن قبل عودته إلى الرياض. وهذا يجعل من القمة العربية القادمة في 29 مارس الحالي هدفاً أخيراً لهذه الجولة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين.
انعقد أول اجتماع قمة لقادة الدول السبع المؤسِّسة لجامعة الدول العربية في 15 مارس 1945، وهي الدول الموقّعة على برتوكول الإسكندرية في نوفمبر عام 1944، أي قبل عام من تأسيس الأمم المتحدة. والدول السبع هي الدول المستقلة آنذاك، أي كلّ من السعودية ومصر والأردن وسورية والعراق واليمن ولبنان.
عرفت جامعة الدول العربية محطات مضيئة في تاريخها، ومنها مساعدة كل الدول العربية تقريباً على عملية الاستقلال والانضمام إلى الجامعة، وتعزيز ثقافة العمل العربي المشترك، حتى بلغ عدد الدول المنضوية في هذه المنظومة 22 دولة. وقد استطاعت جامعة الدول العربية أن تكون مساحةً لحلّ العديد من الخلافات العربية العربية. كما عرفت الجامعة أيضاً أزمات عديدة بسبب تضارب السياسات في بعض الأحيان، ورغبة بعض الدول في الهيمنة أو التدخل في سياسات بعض الدول، ممّا أدّى إلى العديد من الأزمات والنزاعات التي تركت آثاراً سلبيّة على عمل جامعة الدول العربية.
كما عرفت الجامعة محطّات أخرى من التفرّد في الخيارات وإضعاف عمل المنظومة، ممّا جعلها تتراجع في أدائها، وربّما في بعض الأحيان يتعطّل الأداء كليّاً، أو يحدث تغيير في الأساسيات لجهة دولة المقر، أو قيام محاور من أجل فرض سياسات ما. وقد شهدت جامعة الدول العربية قمماً عديدة كان لها أثرها الطيّب على الشعوب العربية وعلى ثقافة العمل العربي المشترك، ومنها قمّة الخرطوم عام 1968 على إثر نكسة حزيران 67.. تلك القمة التي قاد خلالها الراحل الكبير الملك فيصل بن عبدالعزيز عملية تعويض الخسائر، ودعم إعادة بناء القوات المسلحة لدول المواجهة العربية.
تعطّلت أعمال القمم العربية على إثر احتلال الكويت ومن ثمّ تحريرها، وذلك بسبب الأثر العميق لتلك العملية على منظومة العمل العربي المشترك، إذ احتلّت دولة عربية دولة أخرى، وضمّتها إليها واعتبرتها محافظة. ثمّ تجدّدت أعمال القمة العربية بعد عام 2000 على إثر الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وكانت القمة الاستثنائية في مصر «قمّة محمد الدرة». ومن ثمّ جاءت قمة عمان عام 2001 لتنظّم عمل القمم الدورية كل عام في النصف الثاني من مارس على أساس الأبجدية المعتمدة في الجامعة العربية من الألف إلى الياء.
جاءت زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأميركية ولقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب في هذا التوقيت بالذات، وبموازاة جولة خادم الحرمين الشريفين الآسيوية، لتجعل من التفكير في مصير القمة العربية موضوعاً يستحقّ المتابعة وفي هذه الظروف بالذات، وخصوصاً أن العمل العربي المشترك أمام لحظة فارقة: إمّا أن يسير نحو الأمام، ويتحوّل من التعامل إلى التكامل على أسس واضحة، وخصوصا بعد كل التهديدات والتحديات والاختراقات والنزاعات، أو أن يذهب كل في اتجاه.
أعتقد أنّ خادم الحرمين الشريفين أراد من جعل قمة عمان المحطة الأخيرة في جولته التاريخية مع كل النشاط الدبلوماسي السعودي في أميركا وأوروبا، لتكون كل تلك الاتصالات والاجتماعات من أجل الوضوح بين العرب والعالم فيما يخصّ قضاياهم وسيادتهم، وعلى وجه الخصوص قضية القدس الشريف والشعب الفلسطيني. هذا بالإضافة إلى التدخّلات الإقليمية في الشؤون العربية وبالذات من قبل إيران. وبذلك يكون الملك سلمان بن عبدالعزيز قد ذهب من الرياض إلى عمان عبر الصين.
اعتقد أنّ جولة خادم الحرمين الشريفين التاريخية للعديد من الدول الآسيوية ربما قد تشمل محطات عربية قبل الوصول الى قمّة عمان.. هذه القمة الغامضة المصير حتى الآن بسبب الأوضاع العربية الصعبة والتحديات الكبيرة على كل المستويات، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والقدس الشريف، بالاضافة الى دول النزاع العربي. وربما يكون الاعلان عن جعل قمة عمان المحطة الأخيرة في الجولة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز هي نقطة الضوء الوحيدة في احتمالات انعقاد هذه القمة أو نجاحها.
التعليقات